يخطئ من يظن أن المصريين كلهم على قول واحد في مسألة محاكمة مبارك وعصابته.. ويخطيء المطالبون بالمحاكمة عندما يظنون أن كل المطالبين بالعفو هم فلول للنظام السابق.. فبالتأكيد غالبيتهم أناس بسطاء طيبون وإن كان (الفلول) يستغلون طيبتهم.. ويخطئ كذلك المطالبون بالعفو خطأ أشد عندما يزعمون أن المطالبين بالمحاكمة هم عملاء لجهات أجنبية يهمها إقصاء مبارك بسبب (دوره الوطني في مقاومة الصهيونية العالمية ورفضه القاطع لدعم إسرائيل وحبه الذي يفوق الوصف لشعبه الغلبان!!!).. سأحاول ألا أضحك وجدت بعض الطيبين يجادلون بآيات من القرآن وأحاديث للنبي الكريم في مسألة العفو فرددت عليهم بتلك الرسالة ثم رأيت أن أنشرها لتعم الفائدة.. وإليكم ما كتبته ردا على أخت فاضلة: أختي الكريمة.. للأسف أختلف معكي هذه المرة للأسباب الآتية: أولا: كما قال الله تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله..) فقد قال: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).. والسؤال هو: متى نعمل بهذه الآية ومتى نعمل بتلك؟.. ألا ترين أن العفو هو أمر يملكه فقط من تم الاعتداء عليه.. فمن أريق دمه وفقد حياته هو فقط من لديه القدرة على العفو.. مورثا هذه القدرة لأولياء دمه وفق الشرع.. وولي الدم سواء كان الأب أو الإبن هو من له القدرة على العفو أو القصاص إن أراد.. وبناءا عليه أنتي تحتاجين موافقة أولياء دم 845 شهيد تقريبا حتى يتم العفو.. لو رفض واحد منهم فقط العفو لزم القصاص حسب شريعة الله الحكيم والعليم بما يصلح البشر ولذا قال: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) يعني يا أصحاب العقول التي تفهم وتعقل ثانيا: بخلاف من فقد حياته هناك من فقد عينه وهم بالآلاف.. وهؤلاء أيضا تحتاجين أن يقوموا هم بالعفو وليس نحن.. ودية العين الواحدة لمن لا يعلم على النصف من دية الآدمي كله هذا إن كان فقأ العين تم خطأ.. أما إن تم عمدا فالقصاص هو حكم الشرع إلا أن يعفو المصاب ويقبل الدية أو يعفو بدون دية وهذا أيضا لا أملكه أنا ولا أنتي ولكن يملكه حوالي 5 آلاف مصري فقدوا أعينهم ثالثا: العفو عند المقدرة لا يعني عدم المحاكمة.. وإلا فأين المقدرة أصلا؟.. هل نقدر أن نحيله للمحكمة حقا أو أن نحاكمه محاكمة عادلة لا ضغوط دولية وداخلية عليها من أذناب النظام السابق ممن يستخدمون المال والإعلام بل ويستخدمون البسطاء الطيبين من الناس مثلكي للتأثير على الرأي العام لقبول فكرة العفو.. بينما المتضررون أنفسهم ممن فقدوا أعينهم أو ذويهم صوتهم غير مسموع وكأن من يطلب العفو ومن يقول: أنا أقبل العفو يفتئت على حقوق هؤلاء المظلومين فيضيف إلى آلامهم آلاما أشد.. إن كنا نقول العفو عند المقدرة فعلينا أن نحاكمه أولا بما يرضي الله تعالى ثم بعد صدور الأحكام التي نرجو ألا يكون فيها شبهة مجاملة أو ضغط خارجي أو داخلي سواء للتخفيف أو التغليظ ساعتها نأتي بأولياء الدم ومن فقدوا أعينهم أو أطرافهم ونقول لهم: أنتم الآن قدرتم عليه.. إن شئتم أنفذنا الأحكام وإن شئتم عفوتم.. ساعتها هم فقط من يقرر رابعا: لو لم نفعل ذلك ومنعنا المحاكمة من الأساس فماذا ستكون النتيجة؟.. ببساطة كل مجرم وقاتل ومختلس ومرتشي ومزور وموالي لأعداء الوطن على حساب شعبه لن نستطيع محاكمته لأن كل منهم سيقول لنا كلمة واحدة حينها: (ألأنا أضعف منه وأقل مكانة لا تعاملوننا مثله؟.. تعفون عن الأقوى وتحاكموا الأضعف؟) فبأي عين بعدها يمكن أن نحاكم مجرما؟.. ولهذا قال الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه: (إنما أهلك من كان قبلكم إنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد.. والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم خلاصة الكلام نحن نحب العفو لكن بشرط أن يكون عفونا خاصا بما تعرضنا له نحن أنفسنا.. أما أن يأتي رجل فيضرب رجلا ضعيفا أمامنا ونحن نشاهده ثم يأتي شخص ثالث فيسألنا نحن المشاهدين ويتجاهل رأي المضروب: إيه رأيكم يا طيبين.. تعفوا عن الضارب؟.. فنبتسم بسذاجة ونقول : نعم.. طبعا.. العفو من شيم الكرام.. أما المضروب الذي سال دمه فينظر إلينا شاعرا بأنا خذلناه وأن ظلمنا له يزيد على ظلم الضارب له.. حتى أننا لم نأخذ رأيه ولم نعره إهتماما.. فإلى أين سنفر منه أمام الله تعالى يوم القيامة؟