لويس لونا Luis Luna، شاعرٌ يحرُسُ لُغتَهُ ويحرُثُها، زاهدٌ ومقتصدٌ، ومشغُولٌ بالتغيير، ومهجُوسٌ بالإضافةِ، يرحلُ فى النورِ والظلِّ معًا، وبقدر ما هو مهتمٌ بالضَّوء، فهو أيضًا يعرفُ أنَّ العتمةَ ابنة النورِ؛ ولذا يشتغلُ كثيرًا على الخاص والغامض والسرِّى، لا يقطعُ مع المصدرِ الأوَّلِ، بل يشرُبُ من إنائهِ كأنهُ فراتُ جلجامش؛ باعتبارها حبلَ السُّرَّةِ الذى يحملُه دائمًا إلى الأصل- الأرض، يكتبُ وفى يديه وثيقةُ الاستغناءِ، التى تجعلُهُ محمُولا على الشَّبعِ والامتلاء، نائمٌ فى القلق، ولا يقينَ لديه، ربما لا يرى سوى الطيرِ وحدهُ ما «يمنح اليقين». الشَّاعرُ الإسبانىُّ لويس لونا- الذى التقيتُه فى نيويورك ونشر خمسة كتب شعرية هى: دفتر حارس الغابة 2007 ميلادية، الرحلة 2008 ميلادية، أرض فى العتمة 2009 ميلادية، لوز 2010 ميلادية، وحبل سُرة 2012 ميلادية- يُشكِّل لوحةً من قطعه الصغيرةِ التى يشتغلُ عليها بمهارةٍ وإتقانٍ، وخبرةِ الصَّانعِ، وهُو عندى حذَّافٌ غير مشغُولٍ بالوصف، صائغٌ للرمُوزِ والعلامات والإشارات، وهو ابنٌ مخلصٌ للرؤية الكلية، والتجربة الشخصية، حيث كلُّ شىءٍ حىّ ينمُو داخله، فهو شاعرٌ يعوِّلُ على الباطنِ، ولا يمنحُ الخارجَ إلا ظهر يده. ولويس لونا- الذى ترجم كتابه الشعرى «أنظُرُ الطُّيور» الذى صدر فى القاهرة الشَّاعر والروائى العراقى عبد الهادى سعدون الأكاديمى المتخصِّص فى الأدب الإسبانى- شاعرٌ ينتصرُ على النشيدِ، والغنائيةِ، ويكوِّنُ نصَّهُ بعنايةٍ، حيثُ يمارسُ التحوُّلَ والتبدُّلَ، كأنهُ كائنٌ غير موجود. هو شاعرٌ مثل جُملتهِ القصيرةِ المُركَّزة يعبِّرُ عن ضوئه الخاص، الذى يمنحُ قصيدته سِمةً وملمحًا، يكشفُ ما بطن وظن أنه اختفى، كأنهُ الوعدُ الذى كان ينتظرُ تحقيقَهُ. شِعرُ لويس لونا يحتاجُ إلى تأمِّلٍ ومُشاركةٍ كتابيةٍ وليست قرائيةً فقط فى التلقِّى، وإلى ذوقٍ مختلفٍ، ومزاجٍ خاص: «الأصعبُ. الأكثرُ عتمةً هو ما يظلٌّ مطمُورًا خلف الجدارِ الذى يشكِّله النَّحْو. فى انتظارِ الإشارة». أنت أمام شاعرٍ يُربِّى النَّارَ، التى يخرجُها من حجارته، ويطبخُها فى فُرنهِ، وكلما اقتربتْ من الرماد أمدَّها بالعجينِ الذى خبزَهُ بجمالٍ يراهُ فيما هو مُعْتِمٌ من الأشياءِ التى يألفُها. يهَبُ نفسَه للنورِ، ويكتبهُ من جديدٍ، يصوغُ كتَّان خيُوطِه، كأنه يرى حاله فى مقام الصَّمت، وما أشفَّ كتابةَ الصَّمتِ وما أصعبَهَا: «مع الإبرةِ، اللغة.../ تخييط ما حولك/ لكى تكونَ فى الداخل». فهو شاعرٌ يُشيِّدُ «ما له من معنى»، لا يتركُ نفسه للتداعى، لكنهُ يُخطِّط بلا تعمُّدٍ، ويرسمُ بلا تكلُّفٍ، ويعطى رُوحَه للنصِّ الذى يكتبُ، حيثُ الكلمة لا تهاجرُ إلى سمائه كما هى بدلالاتها وحيواتها؛ لكنه ينفخُ فيها من رُوحهِ المتوتِّرة الحاذقة، البعيدة عن كسل الخلْق، وخُمُول الماضى. كلُّ شىءٍ لدى لويس لونا يكتبُ، فالمطر يكتبُ، والنورُ، والظلالُ، ونظرةُ العين، والإشاراتُ، والمعانى، والطيورُ- خُصُوصًا التى يدركُ منطقَها، ويتناهى معها-: «/ الطير الذى هو أنت/». الشَّاعرُ يخيطُ نسيجَهُ بإبرةِ الضَّوءِ، مُحافظًا على إيقاعِه، وقانون جذبِه، فى بساطةٍ يظنُّ العابرُ من فرط سُطُوع شمسها أنَّها فى مُتناوله، لكنَّ كتابة الصَّمتِ تحتاجُ رُوحًا مُغايرةً ومُتراكبة. [email protected]