عمى صلاح منتصر..

صباح أبيض بلون الحليب، أخبار طيبة من لندن، عاصمة الضباب، الكبير صلاح منتصر يتعافى، وابتسامته تشرق فى وجهه، مُحاطًا بقلوب مُحِبِّيه يخضع لعناية طبية فائقة بقلبه الضعيف فى مستشفى Bupa Cromwell Hospital، دعواتكم تصلب طوله، ورجواتكم تقوى قلبه، قلبه الكبير الذى اتسع دومًا لهموم الطيبين.
الفحوص طيبة، والمعنويات مرتفعة، ورفيقة دربه الطيبة جنب السرير، تغدق عليه من قلبها حبًا لمَن أحبها، وأخلص فى الحب، عمى صلاح يحب الحب فى أهله وناسه، إنسان جميل يكتب عن الجمال، يحب الجمال ويستعذب آياته، ولا يجد غضاضة أن يقول للجميل.. أنت جميل، ويتمعن فى خصاله الجميلة.
وابْيَضَّ الشعر منه، ولكنه يتمتع بشباب الروح، روحه طيبة، لا يضمر شرًا ولم أَرَه يومًا يتأبَّط شرًّا، ولم يفتر حبه للحياة أبدًا، وهذا محل تفاؤل الأطباء، مريض نموذجى لا يتبرم أبدًا، وينفذ التعليمات بحذافيرها، طبيب نفسه كما يقولون، ونذر شطرًا من حياته لمكافحة خطر التدخين، يكرهه كراهية التحريم.
يومًا قريبًا سيعود غانمًا الصحة مع تحذيرات من تعب القلوب، القلوب كالجياد تتعب من مشوار الحياة، سنراه فى الصباحات الرائقة، مُنْكَبَّا على «فكرة» من فيض خاطره، كاتب سهل، يصوغ أفكاره بأبسط العبارات، وهى موهبة فريدة، لا يميل إلى التقعير فيُلْغِز، أو يستهويه غريب اللفظ فيستغربه البعض، أو يستخرج مطمورًا من اللغة فيحتاج البعض لمعجم لفهم ما استغلق عليه، بسيط، هادئ، كتابة كالقطيفة الناعمة، لا تجهد القارئ أبدًا.
مثله تحتاجه سندًا فى رحلة الحياة، مرشدًا وهاديًا ومعلمًا، اللجوء إلى العم صلاح فى أعقد العقد يعنى حلها تمامًا، لا تستعصى عليه مشكلة، يُخْضِعها لعقله الموزون، يتمتع بهدوء داخلى، خلو من تشويش الصراع والاحتراب والاقتتال، يضحك فى قلب معركة الحياة، وكأنه يرى حرب النجوم بالكارتون.
تعجب، كيف درَّب نفسه على فضيلة الهدوء، موهبة عم صلاح فى احتواء عواصف الحياة، يلم الأحزان فى شاله على كتفه ويلقى بها على طول ذراعه، كيف خانه قلبه، يقينًا لم يثقله بالأحزان، كان يتخفف منها دومًا، ويعتقد فى راحة العقل التى هى من راحة البال، لا يجهد عقله فيما لا يستحق، ولا يشغل باله بالتفاهات، ويضحك ملء شدقيه على مزحة بسيطة، وإذا أعجبته فكرة سوَّقها بين الأحباء، يشاطرونه المحبة.
رده الله سالمًا مُعافى، ويعود إلى مكتبه يجلس جلسة ناسك صالح، مُنْكَبًّا على سطوره التى ينتظرها قراء «الأهرام» كل صباح عبر زاويته الشهيرة «مجرد رأى»، قلم رقيق، يعطف ويراعى الخواطر، ويلمس الجروح لا ينكؤها، ويرطب الحرور لا يمدها بحطب الحريق، مداده من عذب مياه النيل، يغرف منها يرتوى، ويروى المُحِبِّين.