كاتب وكتاب: هنريك إبسن.. و«بيت الدمية»

عُرف الكاتب المسرحى النرويجى الرائد هنريك إبسن بأنه «أبوالدراما الحديثة»، فقد قَلَبَ المسرح الأوروبى عما كان عليه، وقدم نظامًا جديدًا للتحليل الأخلاقى، وأعاد صياغة قواعد الدراما بواقعية، واستكشف الحالة الإنسانية بطريقة لا مثيل لها من قبله، وتعرض فى مسرحياته للمشاكل الاجتماعية التى عكست اطلاعه على حياة الطبقات المتوسطة فى أوروبا، ووعيه الكامل بالصراع الأخلاقى ونزعات النفاق فى النصف الثانى من القرن ال19، تعرض للانتقاد بعد عرض مسرحيته «بيت الدمية» لما قدمه فى شخصية بطلتها غير التقليدية للمجتمع، وقد حققت المسرحية شهرة عالمية، كما ذاع صيتها عربيًا بعد أن ترجمها كامل يوسف إلى اللغة العربية، وعُرضت فى المسرح والإذاعة.
هنريك إبسن، ولد فى مدينة شين بالنرويج عام 1828 لأسرة تنتمى إلى التجار الأثرياء، عندما كان طفلًا أحب الذهاب إلى المسرح وأبدى اهتمامًا بأن يصبح فنانًا، إلا أن حال أسرته لم يستقر، ففى عمره الثامن وقعت أسرته فى فقر بسبب مشاكل والده، الأمر الذى اضطرهم إلى بيع ثرواتهم لتغطية الديون، وانتقلت عائلته إلى مزرعة متهدمة بالقرب من المدينة، وهناك قضى إبسن الكثير من وقته فى القراءة والرسم وأداء الحيل السحرية.
فى سن الخامسة عشرة، توقف إبسن عن الدراسة واتجه إلى العمل، إذ حصل على وظيفة كمتدرب فى علم النفس فى بلدة جريمستاد الساحلية جنوب النرويج، وعَمِل بها 6 سنوات، مستغلًا وقت فراغه المحدود لكتابة الشعر والطلاء، وفى 1849، كتب مسرحيته الأولى «كاتيلينا»، تأثر فيها بأعظم كتَّاب المسرح «وليام شكسبير»، وقد دفع ثمن نشرها أحد أصدقاء إبسن إلا أنها لم تحقق نجاحًا يذكر.
كوَّن إبسن صداقات فنية ساعدته فى تولى وظيفة كاتب ومدير للمسرح النرويجى فى بيرجن، وتوالت عليه مناصب أخرى، حتى قرر السفر إلى إيطاليا واستقر بها بعض الوقت، كما سافر إلى ألمانيا وقدم فيها عدة أعمال مسرحية ساعدت فى إطلاق مسيرته، ثم قَدّم مسرحيته الشهيرة «بيت الدمية» عام 1879.
فى 3 فصول، جاءت مسرحية «بيت الدمية» بحوار يدور بين شخصيتى «نورا»، و«تورفالد» هيلمر، وكانت المسرحية تعبيرًا من إبسن عن وجهة نظره لدور المرأة فى المجتمع ومكانتها مع زوجها، حيث قدّم شخصية «نورا» كزوجة تكافح من أجل استقلالها وحريتها ومساواتها بالرجل، وليست «الدمية» المسلية الضعيفة التى تتطلب العناية، بل التى تقوم بالتضحية، وتسعى للاستدانة لمساعدة زوجها بعد إصابته بمرض، والذى يجد القبول بمثل ذلك تضحية بشرفه فيرفض فعلتها، فتقرر «نورا» الانفصال عن زوجها وتنتهى المسرحية بخروجها «تصفق خلفها الباب».
تحولت المسرحية بعد ذلك إلى أفلام سينمائية، ففى عام 1918، عُرض فيلم «بيت الدمية» للمخرج موريس تورنور، وفى عام 1973، أخرج المخرج باتريك جارلاند فيلمًا يحمل نفس الاسم، وقام بدور تورفالد الممثل الشهير أنتونى هوبكنز، كما قُدّم فى 2016 فيلمًا كتبه وأخرجه مايكل جاستن لى.
وفى مصر، عُرضت مسرحية «بيت الدمية» على المسرح القومى فى 2006، وقامت الفنانة بوسى بدور «نورا»، وشاركها البطولة الفنان أشرف عبدالغفور فى دور «تورفالد»، كما قُدّمت المسرحية فى الإذاعة وأخرجها محمود مرسى، بطولة سناء جميل، ونور الدمرداش، وإحسان شريف. وفى عام 2014، عرض مسرح الطليعة مسرحية «بيت الدمية»، وقدم العرض فرقة «1+1» وأخرجها محمد عادل.