مفهوم السعادة

ليست السعادة المتعة أو النشوة أو حتى البهجة ولا هى المال، ولا هى الراحة. وأنت جالس على مكتبك فى شغلك أمام شاشة الكمبيوتر وتحت الضوء الأبيض البارد، تدرك تمامًا أنه لا أحد يهتم بك بشكل ما ولا لاحظ أى آخر أنك سعيدٌ لأن (جالك ولد)، أو لو أنت عازب (تعيش قصة حب)؛ فتفضحك عينيك، وتسير بين المكاتب، وفى الممرات مختالاً كالطاووس، (كل شوية تبص على موبايلك)، منتظرًا صورة أو رسالة أو موعدًا للقاء.
لكن ترى يا هل ترى الزائرون لباريس باستمرار بحثًا عن الموضة، أو هؤلاء المقامرون فى موناكو، أو المسافرون على ظهر يخت يمخر عباب البحر متوقفا عند كل بلد (شوية) يتذوقون طعامه ويتطلعون لجماله، أو تلك النجمات المليئات باللآلئ المرصعة والشهرة هل كل هؤلاء سعداء؟ فى غالب الأمر لا.
إن البواب الساكن تحت بير السلم مع زوجته الموردة الوجه، وأطفاله الذين يجرون هنا وهناك وتليفزيونه ال14 بوصة، سعيد، طالما هو راض. الرضا مفتاح السعادة، الرضا الذى لا يلغى الطموح. ما إن يبدأ ذلك البواب فى السمسرة وجمع المال والاحتيال، وتبدأ امرأته الجميلة فى العمل فى البيوت، وتبدأ فى مسح العمارة كلها. هنا قد تدب الخلافات ويبدأ النهم، المهم الرضا المقرون بالقناعة وراحة البال والأهم ألا تنظر إلى قطعة اللحم التى فى يد أخيك. السعادة فى ألاّ تكون جشعًا أو طماعًا، كمدير يتمنى أغراض جنسية مع سكرتيرته، وهو يعلم أنها متزوجة، أو ذلك المفضوح الذى ذهب إلى العمرة ودعا الله سبحانه وتعالى قائلاً (اللهم أغننى غنىً فاحشا) إلى آخر تلك القائمة البشعة، الثراء الفاحش لا يجلب السعادة بل يجلب الغرور، وإغواء العبث، وتلك الحيرة فى استخدام ذلك المال الوفير، (الفلوس ممكن تديك حرية) لتكون لديك اختيارات مدروسة لتبتعد عن العبث وسوء الاستخدام. إن الحياة السعيدة ما هى إلاّ تتابع أيام سعيدة مع أولادك وأحفادك، وأنت تراهم يترعرعون أمامك؛ فتبتهج بتقدمك فى العمر، لكن ما الذى يمكن أن يجعلك سعيدًا؟ هل هو النجاح؟ هل هى العاطفة التى تملأ صدرك وقلبك؟ أم أنه الطموح وتحقيق الذات؟ هناك من يقدمون وصفات مضحكة للسعادة تشبه وصفات الأكلات اللذيذة فى برد الشتاء، لكن الحقيقة هى أن السعادة نسبية فمن يراها فى الصحة، الستر، العزوة، ومن يراها فى اكتناز الذهب والفضة، ومن يراها فى البنون والصحة، لكن من يحدد كل ذلك إنه ذلك «الفيوز» FUSE فى عقلك تلك المنطقة المهيمنة الغامضة، لكن أحيانًا عند البعض (كثيرًا) ما تدهمهم أفكار سلبية تشاؤمية يغرقون فيها، أفكار كالجنية قد تشدك إليها وتجعلك أسيرها، لكن عليك أن تعقلن أى طارئ سلبى، أى حدث حياته قاس، كفقدان عزيز، كصدمةٍ ما، كغدرٍ أو خيانة، لكنك ستكون كلاعب «الكونغ فو» لن تهاجم ما يهاجمك، لكنك ستدعوه إليك، تأخذه بالراحة إلى ذراعيك لتطرح الموقف الصعب أرضًا، تغلبه بقدرتك وثباتك الانفعالى، اعترف بما يحدث، لا تنكره، واجهه، وتعامل معه، هناك بعض التمرينات المعروفة مثل (التنفس ببطء) حيث تغمض عينيك، تستنشق الهواء المحمل بالثقة، الهدوء والشجاعة، وتطرد الخوف والرهبة وعدم الأمان مع الزفير، حاول أن تضحك حتى لو كانت النكتة سخيفة، ابدأ فى التحرك، لا تستسلم، ولا لسريرك وكسلك اللذيذ، فى الحركة بركة، ستضخ الدماء فى جسمك وعقلك وستنفرج أساريرك وستبتسم وستغنى بينك وبين نفسك، أو بصوت عال (الحياة حلوة، للى يفهمها)، أنت ملتزم بالتفاؤل، وإن لم تكن فتدرب على ذلك فالأمر بسيط، بسيط جدًا.