د. إبراهيم مجدى حسين يكتب: أوهام وضلالات

بعد مشاهدة مسلسل المسيح على «نتفليكس» والذى اثار جدلا واسعا كان السؤال، لماذا يتوهم بعض مرضانا أنهم المهدى المنتظر؟، أعتقد وبدون مبالغة أن جميعنا كأطباء نفسيين شاهدنا حالة مصابة بضلالات عظمة وأوهام ويصر المريض أنه «المهدى المنتظر»، عن نفسى شاهدت وتحدثت مع أكثر من مائة مهدى منتظر من مختلف الأعمار والثقافات والجنسيات منهم أستاذ الجامعة ومنهم البائع الجائل. كان التعامل المعتاد هو حجزهم فى المصحات وإعطائهم علاجا مكثفا وأدوية مضادة للذهان دون الدخول معهم فى نقاش لأن أغلبنا لا يوجد لديه دراية كافية أو ثقافة دينية حول المهدى المنتظر، لذلك نتجنب النقاش مع المريض فى ضلالته وأوهامه.
دعونا نعرف أولا ما هى الضلالة أو الوهم «delusion»؟.. هو اعتقاد خاطئ بوضوح ويشير إلى وجود خلل فى المحتوى الفكرى لشخص، لا يتم تفسير الاعتقاد الخاطئ عن الخلفية الثقافية أو الدينية للشخص أو مستوى ذكائه. السمة الرئيسية للوهم هى درجة اقتناع الشخص بأن الاعتقاد صحيح. وسيتمسك الشخص الذى يعانى من الوهم بحزم بالمعتقد بغض النظر عن الأدلة التى تشير إلى عكس ذلك. وقد يصعب التمييز بين الأوهام والأفكار المبالغ فى تقدير قيمتها، وهى أفكار غير معقولة يحملها الشخص، لكن لدى الشخص المصاب بعض الشكوك على الأقل فيما يتعلق بصدقه. الشخص الذى يعانى من الوهم مقتنع تمامًا أن هذا الوهم حقيقى. الأوهام هى أحد أعراض الاضطراب الطبى أو العصبى أو العقلى. قد تكون الأوهام موجودة فى أى من الاضطرابات العقلية التالية: (1) الاضطرابات الذهنية، أو الاضطرابات التى يكون لدى الشخص المصاب فيها إحساس متناقص أو مشوه بالواقع ولا يمكنه التمييز بين الواقعى وبين غير الواقعى، بما فى ذلك انفصام الشخصية، واضطراب الفصام، والاضطراب الوهمى، اضطراب ذهانى مشترك، اضطراب ذهانى قصير، واضطراب ذهانى مستحث بالمواد، (2) اضطراب ثنائى القطب، (3) اضطراب اكتئابى كبير ذو سمات ذهانية (4) الهذيان، و(5) الخرف. تندرج ضلالة ووهم ادعاء الشخص أنه المهدى المنتظر تحت ضلالات العظمة. يفسر عالم الطب النفسى السويسرى يوجين بليولر (30 إبريل 1857 – 15 يوليو 1939) أوهام العظمة أن فى كثير من الأحيان يكون الوهم بالعظمة ثانويًا من الوهم الاضطهادى عندما يفشل إسقاط الذنب (الوهم الاضطهادى) فى تحقيق التوازن بين الرغبات الداخلية والواقع الخارجى، قد يحدث وهم العظمة كإيفاء للرغبة المكبوتة. وبينما يتناقض الواقع الخارجى مع الشعور بالذنب المتوقع فى العالم الخارجى.
وهم العظمة هو محاولة من العقل الباطن لتحقيق نجاحات بعيدة عن الواقع. وهو يتبع ويرتبط بوهم الاضطهاد، تشعر أولا أنك مضطهد ولكى ترضى نفسك وتتخلص من شعور الاضطهاد تبرر لنفسك انك مضطهد بسبب أهميتك وبسبب خوف الآخرين من قدراتك.
لو طبقنا افتراض أوجين بليولر على بعض المرضى الذين يعانون من وهم المهدى المنتظر سنجد أنهم بالفعل بدأوا بالشكوى من الإحساس بالاضطهاد والظلم وأنهم يعانون من التهميش فى الواقع.
وجدت بعض التفسير فى مراجع الطب النفسى الثقافى، ويسمى أيضا الطب النفسى عبر الثقافات الذى يهتم بالسياق الثقافى للاضطرابات النفسية وتحديات معالجة التنوع العرقى فى الخدمات النفسية. وسط البحث عثرت كتاب ممتع للشيخ الجليل محمد زكى إبراهيم رحمة الله عليه، والكتاب تحت عنوان «قضية الإمام المهدى بين الرفض والقبول وهو حق ولكن لم يأت زمانه بعد».. الكتاب يطرح قضية المهدى المنتظر بشكل علمى جذاب وسلس وأنصح زملائى الأطباء النفسيين بقراءته.
إخصائى الطب النفسى