«هو صحيح الهوى غلاب؟»

أعشق صوتها منذ الصبا، وقد نشأت فى بيت يعشق التراث، وكل ما هو راق وجميل، من فن وذوق، وعائلة تحافظ على الأصالة.
بعد معاناة مع المرض، وذات الثالث من فبراير سنة 1975، رحلت عن عالمنا قيثارة السماء، وسيدة الغناء العربى، كوكب الشرق، السيدة أم كلثوم، تعددت ألقابها، لكنها تبقى القابعة فى قلوبنا ووجداننا، بصوتها الخالد فى ضميرنا الفنى.
«فاطمة إبراهيم السيد»، بنت قرية «طماى الزهايرة»، التابعة لمدينة «السنبلاوين» بمحافظة «الدقهلية»، ابنة شيخ مؤذن، عاشت حياة بسيطة، لكنها أصبحت ملء السمع والبصر، التى غنت على أكبر المسارح العالمية، منها مسرح «الأوليمبيا» بباريس.
تلك الموهبة الفطرية النادرة، والمرأة الذكية، والصوت الخالد، الذى يجرى فى عروقنا كما النيل.
لا أذكر فى أى سنة بالتحديد بدأ التحضير لمسلسل «أم كلثوم» للمخرجة الكبيرة «إنعام محمد على»، لكننى أذكر أننى قابلتها فى «ماسبيرو» مبنى الإذاعة والتليفزيون بالقاهرة، لأجرى معها حوارًا لصالح إحدى الصحف آنذاك، وقد كانت هى التى حددت المكان، دعتنى لنلتقى فى المكان الراقى، حيث المنظر الجميل المطل على النيل بالدور العاشر، وجدتها مع صديقتها الفنانة «نادية رشاد» التى قدمت دور «منيرة المهدية»، وقد أجادته، دعتنى على فنجان شاى، وأثناء الحوار، حدثتنى عن التحضيرات للمسلسل آنذاك، كانت تتحدث عن مشروع «أم كلثوم» بكل حماس ونشاط، استشعرت نجاح العمل قبل أن يبدأ، كانت ملأى بالطموح والتحدى، العمل الذى كان تحفة فنية عرّفنا على جوانب إنسانية كثيرة فى حياة «أم كلثوم»، مسيرتها وشخصيتها، وقد نجح العمل نجاحًا كبيرًا، كيف لا؟ والمؤلف هو الأستاذ الكبير الراحل «محفوظ عبدالرحمن»، والمخرجة هى سيدة الإحساس والعدسة، الصورة والتفاصيل، السيدة «إنعام محمد على»، المرأة الراقية المتواضعة، وقد أصبحت من الأصدقاء، وقد اكتشفت أن بيننا صديقة مشتركة هى الدكتورة الكاتبة «سامية الساعاتى».
«أم كلثوم»، التى لُقبت بفنانة الشعب، لم يقتصر دورها على الغناء فحسب، بل قدمت دورًا نضاليًا كبيرًا لوطنها مصر، أثناء «حرب أكتوبر» وقبلها، وذلك هو دور القوى الناعمة الذى ندعو إليه دائمًا.
«صابرين» كانت رائعة، أما «أم كلثوم» الريفية، الذكية بالفطرة، فقد غنت باللغة العربية الفصحى، كما غنت باللهجة العامية، ما بين قصائد من وزن «الأطلال» للشاعر الكبير «إبراهيم ناجى»، وقصائد أخرى لأمير الشعراء «أحمد شوقى»، إلى «هو صحيح الهوى غلاب؟» ل«بيرم التونسى».
أقول: البقاء للفن والإبداع والجمال، رحم الله «الست»، فى ذكراها، «الست» التى أوصلت اسم مصر إلى العالم، وقد برهنت أن الإنسان الذكى بالفطرة يكون، أحيانا، أنجح من بعض أصحاب الشهادات العليا!.
لقد وحّد صوت «أم كلثوم» العرب، من المحيط إلى الخليج، فيما عجزت عنه السياسة فى أحيان كثيرة.