بعد أسبوع حافل قضيته فى مهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة ما بين تكريمات العاملات بصناعة السينما والانخراط فى الملتقيات الفكرية، التى تدور حول قضايا المرأة فى السينما، وذلك وسط أهالى أسوان، والوقوف على أهم التحديات التى تواجه صانعات السينما، وكيف تكون الأفلام مناهضة للصور النمطية عن الرجال والنساء، ومنتصرة لقيم المساواة وعدم التمييز. بعد ذلك، أردت الترفيه عن نفسى بمشاهدة أحد البرامج التلفزيونية الخفيفة، فكان برنامج الطبخ «على أد الإيد»، الذى يعرض على شاشة «سى بى سفرة»، والهدف منه تقديم وجبات شهية بميزانية محدودة، وكمعظم برامج الطبخ يتفاعل الشيف مع طلبات الجمهور عبر هاتف البرنامج، لكن المذهل أن يتحول- الشيف - إلى واعظ وحامى الفضيلة والأخلاق، ويستطرد فى بث قيم متخلفة، قيم تكرس التمييز والدونية، ويطلب من النساء أن يكن نموذجًا من «أمينة» المستكينة، وأن يكون الرجل «سى السيد».. وللأسف التى تقدم هذا البرنامج هى امرأة، وليست حاملة لقيم الفكر الذكورى فقط إنما تقوم بترويجه والحض عليه، فتقول: «أنا عاوزة أيام سى السيد ترجع تانى يا ولاد لأنى حاسة إن الجيل الصوغير ده طرى شوية، حاسة إن مراته ند ليه، وهى اللى بتمشى كلمتها، حاسة كده إن شخصيته ضعيفة وأنا مش عاوزه ده». تتلبس دور الواعظة وتستطرد: «هو ربنا خلق كده، خلق الرجالة بتفهم أكتر من الستات، القدوة فى إيد الرجل»، ثم تخاطب الرجل: «لازم تعمل حسابك على كده، إنت الريس، ماينفعش تقول إنه شخصيتها قوية، علشان ده مبدأ من الأول، هى آه بتقول اقتراحات بس كلامك اللى يمشى». وبالطبع هذا الأداء وتلك الأفكار تناسب السادة القائمين على القناة، وبالتأكيد هم سعداء بهذا البرنامج، لأنه يقتحم البيوت، ويحظى بأعلى نسبة مشاهدة، فلا يشغلهم المحتوى والفتاوى التى تقدمها الشيفة، المهم الإعلانات والمكسب، ولا تهمهم جهود الدولة فى محاولة الارتقاء بوضع المرأة، ولا جهود المجلس القومى للمرأة ومنظمات المجتمع المدنى فى مناهضة التمييز والصور النمطية عن المرأة. يحتاج القائمون على القنوات الفضائية أن يلتزموا المهنية، ويعتمدوا وثيقة عمل تناهض الذكورية، وعدم الإساءة لصورة المرأة، وذلك بالابتعاد عن تنميطها وتسليعها واستغلالها فى المحتويات الإعلامية والإعلانية، وتدريب جميع العاملين ومقدمى البرامج على تطبيق بنود هذه الوثيقة والالتزام بمبادئها، بغض النظر عن طبيعة البرنامج، ولا يجب الاستهانة بذلك، فلقد تم غزو العقول المصرية من خلال برامج تبدو بسيطة فى مظهرها، لكنها ساهمت فى بث سموم التخلف والطائفية فى جوهرها.
