لم يعد هناك وقت أيها السادة المسؤولون، سواء كنتم فى المجلس الأعلى العسكرى أو الحكومة.. وصلتنا رسائلكم المتتالية بشأن تدهور الأوضاع الاقتصادية وحالة الأمن المتردية وحالة الفوضى المُتفشية.. وعلى الرغم من إشاداتكم المتكررة بالثورة والثوار، إلا أن أحداً لا يفهم هذا الإصرار المُريب والغريب على الربط ما بين هذا كله وثورة الشعب المصرى العظيمة التى بدأت بزئير الملايين «الشعب يريد إسقاط النظام» وانتهت بهتافهم «ارفع راسك فوق إنت مصرى». ربما لايرغب أحد منكم أو يجرؤ على القول بهذا صراحة، ولكن هذه الرسالة- وأقصد بها تحميل هذه الثورة المجيدة مسؤولية ما يعانيه الوطن الآن من متاعب ومشاكل بعضها صحيح والبعض الآخر مُبالغ فيه- تصل إلى المواطنين المصريين عدة مرات فى اليوم الواحد، على ألسنة كثير من المسؤولين عنا وكُتاب النظام البائد الصريحين والمُستترين، بقدر كبير من الخُبث والدهاء فى صورة عبارات مطاطة تُكتب هنا أو هناك، وجُمل منقوصة على لسان هذا أو ذاك، لا تعبر عن شىء بعينه أو تشرح وضعاً بذاته.. فقط تسمع وتقرأ عبارات من أمثال: «كفاية كده وخلينا بقى نشتغل» و«نبطل بقى كلام عن الماضى ونتكلم فى المستقبل» و«الناس اللى بيتظاهروا دول هايضيعوا البلد» و«هى الثورة تعنى الفوضى والبلطجة» وغيرها كثير من التعبيرات التى تتردد على أسماعنا وتقرأها عيوننا ليل نهار، توحى بأن الثورة على النظام العصابى الديكتاتورى الفاسد المُفسد على مدى عقود جلبت وستُجلب لنا متاعب ومصاعب تجعلنا نترحم على ما كان، وهو بالضبط ما يهدف إليه أبناء ثقافة العبيد الذين ما زالوا فى معظم المراكز القيادية فى هذا البلد حتى الآن! نحن جميعاً مُتفقون على أن هناك حالة من الأمن المفقود، وانتشار للبلطجة والإجرام بشكل كبير ومظاهر تمرد ومُطالبات واعتصامات وتظاهرات الكثير منها مُفتعل وليس له ما يبرره فى الوقت الحالى، وأن ذلك يؤثر اقتصادياً على الدولة تأثيراً كبيراً، سواء على مستوى الإنتاج وتدفق الاستثمارات والتسويق أو على مستوى الدخل المتوقع من قطاع السياحة المهم.. وجميعنا يتابع والحزن يملأ قلبه هذه الحوادث الشريرة المُتكررة التى تُفرق بين أبناء الوطن الواحد مسلميه ومسيحييه وتصل فيها الأمور إلى حد التراشق بالنيران والأسلحة وسقوط القتلى والجرحى، وسلطات الدولة تتصرف بأقصى قدر من التباطؤ إلى حد الاتهام بالتواطؤ وتقف موقف الحياد السلبى من النزاعات القائمة التى بلا شك تعرف يقيناً أنها يمكن أن تقود البلد إلى كارثة، وتترك الأمر كله لرجال دين من الطرفين تطلب وساطتهم ودعمهم، وهم فى الحقيقة أصل البلاء كله ومصدره! أقول نتفق جميعاً على وجود ذلك كله، ولكننا بالتأكيد نختلف على أسبابه ودوافعه.. لقد ثبت بعدما شهدته الأيام القليلة الماضية من أحداث وأحكام، سرعان ما تتغير وتسريبات لبعض الأخبار لمعرفة ردود الأفعال، إن نظامنا الحاكم حالياً ومن بيدهم مقاليد الأمور لم يحسموا أمرهم بعد.. إلى من ينحازون فعلا لا قولا: لمبارك وعائلته ممن هم فى السجون وخارجها، أم للشعب المصرى العريق ومصلحته العليا فى الحاضر والمستقبل؟ سيقولون بألسنتهم بالتأكيد إن انحيازهم هو للشعب، ولكن للأسف الشديد فإن أفعالهم تُكذب ما يقولون.. الوطن يا سادة يتعرض لمؤامرة ينفذها نفس الأشخاص الذين تآمروا على الشعب المصرى قبل الثورة بإذلاله وإهانته وانتهاك حرماته لصالح من ينهبون أمواله ويسرقون خيراته، وهم يتبعون أجهزة أمنية متعددة على رأسها جهاز أمن الدولة الذى أُعلن عن إلغائه واستبداله بجهاز له اسم جديد مع الاحتفاظ بأفراد الجهاز السرطانى السابق، بعضهم فى الجهاز الجديد والبعض الآخر فى أجهزة الشرطة المختلفة.. كبار قادة الشرطة الذين كانوا أعوان المتهم حبيب العادلى وتلاميذه، وممن عمت عليهم بركاته مازالوا فى أماكنهم، يتباطؤون فى مواجهة الخارجين على القانون ومُحترفى البلطجة الذين يعرفونهم بالاسم ويتركونهم فى غيهم، ولا يحاسبون أو ينتقدون من يتغيب من رجالهم أو يُقصر بل ويلتمسون لهم الأعذار، تارة باسم الخوف على حياتهم وتارة باسم حالاتهم النفسية، يغضون الطرف عما نشاهده جميعاً الآن من فوضى فى الشارع المصرى لم نرها من قبل فى أى زمنٍ كان، بل ربما يشجعون عليها بأدائهم الهزيل وحالة اللامبالاة التى هم عليها والبطء فى التعامل مع الأحداث الخطيرة كما حدث فى إمبابة مؤخراً والتى وصلت قوات الشرطة يومها بعد حوالى ساعتين من وصول أفراد الشرطة العسكرية! الوطن ياسادة يتعرض لمؤامرة تحت ادعاء «إنه القانون» وذلك بطريقة التعامل الهين اللين البطىء معه ومع عائلته وزبانيته المقبوض عليهم، وكأنهم لصوص سرقوا بعض النقود فتتعامل معهم النيابات والمحاكم بالأسلوب العادى المُتبع فى مثل هذه الحالات، ولا تتعامل معهم بأنهم لصوص نهبوا وطناً بأكمله وسرقوا معه الحلم والأمل والفرحة لأجيال وراء أجيال طوال عقود طوال، يستحقون سرعة القضاء والفصل وإصدار الأحكام وتنفيذها، فيتأكد المصريون أن ثورتهم قد انتصرت وأن عليهم إكمال النصر ببناء مصر الحرة المدنية الديمقراطية التى يسودها القانون والعدالة الاجتماعية. يامن ارتضيتم حمل المسؤولية والأمانة فى هذه المرحلة إن كنتم مع مصر فعلا لا مع العصابة المجرمة فاحسموا أمركم، وأسرعوا الإنجاز فى أمرين: (1) التطهير الفورى لجهاز الشرطة من جميع قياداته الفاسدة المتواطئة وإعادة بنائه بسرعة اعتماداً على الشرفاء من أبنائه- وما أكثرهم- وضم عناصر وطنية جديدة إليه. (2) تفرغ الهيئات القضائية للانتهاء فى أسرع وقت ممكن من محاكمة رأس الفساد وعائلته وزبانيته وأعوانه بتهم الإفساد السياسى وخيانة القسم والوطن، وتوقيع الحكم الرادع وتنفيذه على الفور . وقتها فقط.. سيبدأ الشعب المصرى العظيم الذى مازال ومنذ آلاف السنين مُعلماً للعالم، خطوات بناء المجد الذى ينتظره إن شاء الله. [email protected]