مازالت شخصية السلطان العثمانى عبدالحميد الثاني، مثار جدل تاريخي، فغالبية العرب يرونه رجلا وطنيا، وأن وطنيته كلفته عرشه، فيما رأت فيه أوروبا رجلا دمويا، واستدلت على ذلك بمذابح الأرمن، كما اعتبره آخرون زعيما للإصلاح في بلاده، وقد حكم دولة مترامية الأطراف متعددة الأعراق بدهاء وذكاء، ومد في عمر الدولة والخلافة العثمانية، ووقف ضد الأطماع الاستعمارية الغربية لاقتسام تركة «رجل أوروبا المريض». ولعل الموقف الأوروبي المعادي لهذا الرجل مبعثه التاريخي كان أول اتصال بينه وبين هرتزل، رئيس الجمعية الصهيونية، في مايو 1901، بعد وساطة قام بها سفير النمسا في إسطنبول، وفيها عرض هرتزل على السلطان توطين اليهود في فلسطين، على أن يقدم اليهود ملايين الليرات العثمانية الذهبية كهدية ضخمة للسلطان، ويقرضون الخزانة العثمانية مليونى ليرة أخرى. وأدرك السلطان أن هرتزل يقدم له رشوة من أجل تأسيس وطن قومى لليهود في فلسطين، فأخرجه السلطان من حضرته بصورة عنيفة، وكتب لاحقا في مذكراته عن سبب عدم توقيعه على هذا القرار: «إننا نكون قد وقَّعنا قرارًا بالموت على إخواننا في الدين». وعلى ذلك فقد اعتبرته أوروبا مستبدا وظالما وديكتاتورا حكم هذه الإمبراطورية العثمانية لمدة 33 عاما حكما فرديا، وكانت كلمته هي الأولى والأخيرة. عبدالحميد مولود في 22 سبتمبر 1842، وهو ابن السلطان عبدالمجيد الأول، وتعلم العربية والفارسية، ودرس الكثير من كتب الأدب والدواوين الشعرية والتاريخ والموسيقى والعلوم العسكرية والسياسية، وكان يحب مهنة النجارة، وتوفي والده وعمره 18 عاما، وصار ولى عهد ثانيا لعمه عبدالعزيز، الذي استمر في الخلافة 15 عاما، فلما قتل السلطان عبدالعزيز اعتلى العرش من بعده مراد الخامس شقيق عبدالحميد، لمدة 93 يومًا لإصابته باختلال عقلي، وبويع عبدالحميد بالخلافة في 31 أغسطس 1876، ثم ظهر حزب الاتحاد والترقي في 1890 كحزب سرى يهدف إلى التخلص منه. واجتمع المعارضون لحكمه في باريس في فبراير 1902، في مؤتمر الأحرار العثمانية، واستقوى المؤتمرون بأوروبا لخلعه «زي النهارده» 27 إبريل 1909، وقضى في قصره بسلانيك سنوات مفجعة تحت رقابة شديدة جدا، ولم يسمح له حتى بقراءة الصحف.. إلى أن توفي في 10 فبراير 1918.
