بعد مرور سبعة ايام على بداية العام 2011 ، شهدت مصر حادث مروع و هو تفجير كنيسة القديسين ، راح ضحيته عشرات من المسيحيين و المسلمين ، لم يفرق الموت بين احد من الجماعتين ، فالموت يطال الجميع بلا استثناء ، الوحيد المستفيد من هذه التفجيرات هم اعداء الشعب المصرى و المحاولين بكل جهدهم لاضعاف هذا الشعب العظيم ، بث روح النزاعات و الفرقة بين الجميع ، يبدأون بالدين ثم السياسة ثم التوزيعات الجغرافية فتنقسم مصر على نفسها و تتأجج بالخلافات ، تنتهى لعدة دويلات فى سبيل مصالح افراد فى الداخل ، مصالح اعداء مصر فى الخارج . لكن مع قيام الثورة ، بدأ التماسك يعود لاكثر مما كان ، حتى اكثر مما ينتظر ، المسلم و المسيحى حقا يد واحدة ، لا توجد الشعارات المتخلفة التى كان يرددها عملاء امن الدولة و الموتورون مثل " يعيش الهلال مع الصليب " ، بدلا من ان يكون الشعار الافضل و المناسب " يعيش المصرى مع المصرى " ، فالمسلم يحرص على المسيحى الذى بجواره ، لان الهدف و اخيرا صار واحدا ، الكل ينظر للمستقبل و لدور الشعب فى العودة بمصر الى مصر كما ينبغى ان تكون ، المسيحى يشكل كردون لحماية المسلم و هو يصلى ، منع ضربه بالمياه فى وقت الصلاة ، يقول الكاتب جمال الغيطانى انه شاهد بنفسه مسيحى يصب الماء لمسلم كى يتوضأ ، فايقن ان هذه الثورة ستنجح هذه المرة ، لانه اصبح لا مجال للتفرقة و النزاعات بعد هذا المشهد . الغريب ان فى وقت الثورة ، صدر بيان من الكنيسة و من بعض كبار رجالى الدين يدينون التظاهرات ، يعلنون ان المسيحى الحق الصادق المؤمن لا يشارك فى تظاهرات او احتجاجات ، لا يخرجون على الدولة و نظام الدولة ، كما ان بعض الشيوخ فى الجماعات السلفية شاركوهم الدعوة بنفس المنطق ، افتوا – معظمهم – بأن الخروج على الحاكم المسلم اى كان هو حرام شرعا ، لا يجوز ، انهم لن يشاركوا بأى حال من الاحوال فى تلك المظاهرات .. الاغرب من كل هذا ان جماعة كبيرة من المسيحيين المصريين لم يعبأوا قولا و لا فعلا لتصريح الكنيسة و خرجوا و شاركوا فى المظاهرات و دافعوا عن ثورتهم و ثورة المصريين ، بل ان بعض المنتمين للجماعات السلفية قد خرجوا و شاركوا فى الثورة و على رأسهم بعض الشيوخ الذين لم يهتموا كثيرا بفتاوى الزملاء ، بل و شاركوا فى غناء النشيد الوطنى و الدفاع عن الثورة ضد ارادة الشيوخ السلفيين الذين اصدروا مثل تلك الفتاوى التى تشابه الى حد كبير كثير من فتاواهم التى تقول " حرام " و لا تذكر القاعدة الفقهية التى بنى عليها فتوتهم ، هى حرام لان مزاج الشيخ الموقر كان كذلك . و بعد الثورة و بدأ عودة الحياة ، بداية عودة الحرية لكل مواطن ، تشكل هؤلاء فى جماعات و فئات ، بدأوا بكل بجاحة و صفاقة يتحدثون و يشيدون بدورهم فى الثورة التى لم يشاركوا فيها اطلاقا ، فضحهم فى ذلك تلاميذهم سواء من داخل الكنيسة او من داخل المساجد السلفية ، بل و تطاولوا فى البنيان وصولا لتكفير البعض لانه يعارض الدعوة التى يدعون اليها ، فالسلفيون كلما رأوا تجمعا هتفوا باعلى اصواتهم اسلامية اسلامية ، استفتاء على تعديل شروط الانتخاب لرئيس الجمهورية تحولت الى استفتاء على الدين ، يخرج الشيخ بعدها بتصريح وقح لا يعتذر فيه بل يقول انه كان يمزح ، هل يليق بشيخ جليل ان يمزح مع جموع الشعب ؟؟ يزداد التطاول و تعبث الاصابع الخفية ليبدأ الحفر فى موضوع كاميليا شحاتة ، عندما تخرج لتقول انها مسيحية ، لا يمكن ان ينتظروا ساعات حتى يختلقون مشكلة جديدة عن حبس اخرى فى كنيسة بامبابة ، ثم مهاجمة الكنيسة ، اقتحامها ، فيرد المسيحيون باطلاق نار ليحموا كنيستهم ، فيبادلوهم ايضا باطلاق نار ، تحدث الواقعة المشؤومة التى يقع فيها ضحايا يختلفون كثيرا عن ضحايا كنيسة القديسين ، فهؤلاء سقطوا بدون ذنب سوى انهم تواجدوا بالصدفة هناك ، اما فى امبابة فكانوا هناك مع سبق الاصرار و الترصد و اطلاق الاعيرة النارية ، قنابل المولوتوف ، بل ان المصيبة صارت اعظم بحرق الكنيسة .. بيوت الله التى يذكر فيها اسمه تحترق تماما !!! هل يوجد اية واحدة فى القرأن الكريم قد نكون لا نعلم بها تدعو الى حرق و هدم الصوامع الدينية ؟ هل للاخوة المتعصبين – و لا اقول كل – فى الجماعات السلفية رؤية فى ما يحدث بناءا على حديث شريف صحيح ، بعيدا عن فتاوى البحبحانى التى يعتمدون عليها دائما بدون اسناد من الدين ؟ هل الاخت عبير او حتى كاميليا شحاتة هى التى ستزيد الاسلام فردا او نفرا يحقق للاسلام فتح القدس او اكتشاف طبى مذهل او انضمام فرنسا الى عصبة الدول المسلمة ؟؟ على الاطلاق ، بل ان النتيجة ستكون العكس بكل اسف ، فالذى يسمع عن الاسلام فى اوروبا ليتعلم عن سماحته و خلقه الكريم و حضارته العظيمة مؤكد عندما يسمع عن الحرب الجاهلية التى يقودها اخوتنا المتعصبين على ظهر جمل امام كنيسة ، سيغير رأيه تماما ، يقول ان ذلك وحى كتب يقبع فيها دون ان يمس الواقع فى شىء ، سيفر فراره من المجزوم من الاسلام . لا بل موقفهم قبل الثورة كان يكفى ليخجل الكافر قبل المسلم ، فلم نسمع لهم صوتا و لو همسا عن تعذيب سيد بلال على يد الشرطة و امن الدولة حتى مات ، هو سلفى التربية و النشأة و العقيدة و الانتماء و الفكر . لم نسمع لهم حتى مجرد احتجاج على الواقعة و احدهم يقتل ، لا اقول يحتجز ، لم نسمع لهم تعليقا يذكر على تغيير لبعض المسلمين فى البانيا و بعض الدول الافريقية و الاسيوية لدينهم من الاسلام الى اى دين اخر ، سواء قبل الثورة او بعدها ، لم نرى تحرك منهم لانقاذ اهلهم المسلمين فى فلسطين من بطش الاسرائيلين . اطلاقا ، بل اننا كلنا نعرف ان بعضهم كان يعمل مع امن الدولة مباشرة ، يتلقى التوصيات و التعليمات من امن الدولة مباشرة ، يراجع فتواه من امن الدولة لا كتب الدين ، هكذا افتى امن الدولة بان المظاهرات حرام ، ليس الدين ، ليس فضيلة الشيخ ، بات واضحا الان من كان حقا يريد نصر الدين ، من كان يريد استغلال الدين ، متناسيا قول الله : "لَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا " . راجع ايضا المواقف بعد هذه الحادثة الشنيعة ، فتجدها اكثر استفزازا على كافة الاصعدة ، الداخلية كانت تتفرج و تشاهد الموقف مثلها مثل اى عابر سبيل ، بدعوى عدم وجود قوات كافية مرة ، بدعوى انهم لا يريدون الاحتكاك بالمدنيين . عافى الله قفاكم جميعا ، جعله ذخرا لكل صفعة تنهال عليه و على قفانا . قلنا للمرة الالف بعد المليون ان الذى لا يريد ان ينزل ليزاول عمله فى النور ، يفصل و يتم تصعيد دفعة جديدة من الشرطة لتأخذ مكانه ، قلنا انه يمكن اجراء تعيين لمجموعة من خريجى الحقوق الفاهمين للقوانين و العمل القانونى ، بعد اعطائهم كورس مكثف ، لو بصفة استثنائية نظرا لظروف البلاد ، لكن لا حياة لمن تنادى ، طبيعى ان الشراذمة و المعاقين ذهنيا الذين كانوا يعيشون على كرامة المصرى قبل الثورة سيرفض نزوله الشارع الا بمزاولة نفس الاعمال الوحشية و امتصاص دم المواطن الغلبان ، هذا لن نقبله ابدا بعد الثورة ، بالتالى لا يوجد داعى من الاحتفاظ بمجرم كهذا فى جهاز وطنى شريف . قلنا ان الكثيرين ممن نزلوا على ضغط لا يزاولون عملهم و يكتفون بالمشاهدة لكل واقعة بلطجة او خناقة كنوع من معاقبة الشعب الذى خرج عن طاعتهم ، لا احد يبالى ، معظم الشرطيين الان اصبحوا ديكورا ، مجرد واجهة تصلح للتصوير اثناء اداء التحية ، لكن يجب ان يكون التصوير على سبيل لقطة لحظية ، لانه لو كان فيديو لهم اثناء اداء وظيفتهم التى يتقاضون راتب مقابلها ، فستكون مصيبة لقطاع الشرطة الذى يفخر بأبناءه ، مجال سخرية المواطن الذى سيقول " لهذا كنا لا نريدهم فى ثورتنا " .. بدلا من حوذة السياح على صورة تذكارية مع الحرس على باب القصر الملكى البريطانى ، يمكنهم ان يحوذوا على صورة مع قطاع بأكمله هنا فى مصر . اما عن موقف الحكومة فحدث و لا حرج ، تصريح من وزير العدل يؤكد على ضبط النفس . التصريح لا يأتى من وزير الداخلية الذى يبدوا انه ضعيف الشخصية مثلا داخل جهازه ، اشك فى ذلك ، او يجرى المجاملات لكثير من لواءات اصدقاء و زملاء . وزير الداخلية يبدو مشغولا فى شىء اخر سوى الامن الداخلى للبلاد ، ثم ان التصريح نفسه كان مخزيا بضبط النفس ، فى ظل الظروف الحالية التى تمر بها البلاد يطلبون من البلطجية ضبط النفس ، طبعا ستجد ان هيبة الشرطة و الامن قد تأثرت من ذلك كثيرا و سقطت فى عيون المواطنين ، بدليل محولة تهريب سجناء من داخل قسم دار السلام ، و هروب خمس محتجزين من قسم شرطة البساتين ، مما دفع المواطنين لاعادة تشكيل لجان شعبية للحفاظ على ارواحهم و ممتلكاتهم . و عن الحكومة بوجه عام فلا يصح ان تقف للتفرج و مشاهدة ما يحدث و ترك رجال الدين هم فى كل مرة من يتدخلون لحل الازمة ، ان كانوا اهم من الحكومة التى نعلم جميعا صدق نواياها ، فليتركوا اماكنهم لمن يستطيع السيطرة على مقاليد الامور ، يوجد من يعبث بأمن البلاد ، يبدأ من حيث انتهى النظام السابق و هو الفتنة الطائفية ، فيلجأ المسيحيون المصريون للاسف الى مناشدة الجهات الدولية بالحماية لان الداخلية فى بلادهم غير قادرة على ذلك ، فضيحة بكل المقاييس يشارك فيها المسيحيون بدون دراية و منساقين نحوه مضطرين للاسف ، فيخرج تصريح اوروبى بأن الامور لا تزال مبهمة حتى الان فى مصر ، بالتالى لن يغامر مستثمر على وضع امواله فى ظروف كهذه ، لن يطمئن سائح مسيحى للقدوم الى مصر و هو يسمع عن هجوم المتعصبين من المسلمين على المسيحيين فى مصر ، لتذهب البلاد للجحيم من اجل استحواز بعض الافراد على البلد لانفسهم . تبرأت الدعوة السلفية بالإسكندرية من أحداث إمبابه، ووصفتها بالدامية، وطالب قيادات الدعوة بضرورة تفتيش المساجد والكنائس للبحث عن الأسلحة ومصادرتها، وذلك لمنع ارتكاب الجرائم التي وصفوها بالدموية .. تصريح اكثر استفزازا يفيد عدم فهم الموقف حتى بعد حدوثه ، لا يزالون يطالبون بتفتيش بيوت الله ؟؟ فماذا لو لم يفعلوا ؟ هل ستقتحمون الكنائس مرة اخرى ؟ تلقون باللوم على الكنيسة ضمنيا مرة اخرى ؟ ما الذى جعلكم اصلا تحاصرون الكنيسة ، ما الذى اتى بك الى هناك ؟ و مع تصريح وزير الداخلية بعدم وجود اسلحة داخل الكنيسة عندما سيطر الامن على المكان ، لازلت فى تعنتك و غرورك و تعصبك ؟؟ عار للدين ان يوصم بمثل هؤلاء . الدين يقول كما يقول الامام بن تيمية : "لا يهم الإيمان بالله لقيام الحضارات وتقدمها.. من وجهة نظرى، ما يهم حقاً هو مقدار العدالة والمساواة المتوافر بين الناس. لذلك فإنى أعتقد أن الأولى أن نهتم بإقامة دولة عادلة على أن نقيم دولة مؤمنة بالله.. بالطبع أنا أؤمن بالله ولكنى أعتقد أن العدل أهم من الإيمان إذا أردنا التقدم والرفعة لدولتنا. " . مصلحة الوطن تقتضى الحفاظ على نسيجه القومى الذى يبدأ بالدينى ، الدين لم يعرف اى مظهر للتعصب ابدا ، فالنبى يداوى جراحه بعد احدث الطائف فى بستان تابع للمسيحين يقدم له الشاب المسيحى ما يطعمه ، يطلق عليهم اهل ذمة لانهم فى رقبة كل مسلم ، سيخاصم النبى يوم القيامة ان اذى – مجرد اذية – اى منهم ، فى موقف كهذا اعتقد انهم اذوا كل مسيحى حتى ولو كان فى بيته ، فليحتمل هؤلاء جزاء شر ما فعلوا متناسيين قول الله : " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " صدق الله العظيم دعوة للحفاظ على البلد ، تكوين امن حقيقى من الجيش و الشرطة للحفاظ على سلامة و امن كل مواطن فى مصر ، دعوة لنبذ العنف و التطرف ، دعوة للضرب بيد من حديد و بسلطة القانون على كل من تسول له نفسه المريضة او حتى الجهات العميلة ان يضرب امن هذا البلد الامن الذى ذكر فى القرأن : " ادخلوا مصر ان شاء الله امنين " .