لليوم الثانى على التوالى، أطلقت قوّات الأمن السودانيّة، الغاز المسيّل للدّموع على عشرات آلاف المتظاهرين المعارضين للحكومة الذين احتشدوا بالقرب من مقرّ القيادة العامة للجيش في الخرطوم في محاولة لفض الاعتصام، المتواصل منذ 4 أيام، للمطالبة برحيل الرئيس عمر البشير ونظامه، وسُمِع دوى إطلاق نار، أسفر عن مقتل 3 أشخاص بينهم جنديان وأحد عناصر الأمن، بحسب شهود عيان. وأكد تجمع المهنيين السودانيين أن قوات الأمن والشرطة حاولت فض الاعتصام الحاشد بالقوة، بإطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع، فيما رفض جنود الجيش هذا التصعيد تجاه المطالبين برحيل الرئيس عمر البشير، وأكد تجمع المهنيين، الذي ينظم الاحتجاجات المعارضة، أن القوات المسلحة تصدت للقوات المهاجمة للاعتصام وفتحت بوابات القيادة العامة لحماية المتظاهرين، وأفاد شهود عيان بمقتل جنديين وعنصر من قوات الأمن في اشتباكات أمام مقر قيادة الجيش، ووجه التجمع نداء للمواطنين في أحياء الخرطوم إلى التوجه إلى مقر الاعتصام، ودعا «كل مدن وقرى الأقاليم إلى الخروج في مواكب كبيرة والاعتصام أمام مقار قوات الشعب المسلحة في المدن المختلفة». وأكد شهود عيان أن أعدادا غفيرة من المواطنين توافدت على مكان الاعتصام، بعدما فشل الهجوم الأمنى المفاجئ في فض الاعتصام، وقال نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى إن جنود الجيش الذين يحرسون الوزارة حموا المتظاهرين وفتحوا بوابات المقر ليكون ملاذا آمنا، وشوهد أشخاص وهم يركضون من الهجوم بعد أن طوقتهم قوات الأمن والشرطة، وقوات الشرطة السرية، بعد أن تحدوا الحظر الحكومى على الاعتصام. وقالت الناشطة السودانية، هادية حسب الله، إنه لولا تدخل الجيش لكان المعتصمون قد لقوا مصرعهم جميعا بسبب إطلاق الرصاص الكثيف عليهم ابتداء من الساعة الثالثة صباح الثلاثاء، وأضافت أن قوات الأمن و«ميليشيات مؤيدة لها» أطلقت النيران لمدة 3 ساعات، لكن قوات الجيش وقفت بجانب المعتصمين وأدخلتهم مقر القيادة، موضحة أن المعتصمين ظلوا يهتفون بشعارات حول وحدة الجيش والشعب خلال تدخل قوات الأمن، وأكدت أن المعتصمين صمموا على «الصمود» بالنظر إلى «عدم وجود خيارات أخرى مع نظام البشير الذي قضى 30 عاما في السلطة»، وقال شهود وأحد المتظاهرين إنّ عناصر جهاز المخابرات الوطنى وشرطة مكافحة الشّغب أطلقوا الغاز المسيّل للدّموع لتفريق المتظاهرين، رغم تأكيدهم صعوبة تحديد الجهة التي أطلقت النار، وقال شهود عيان إن الجيش كان محايدا، إلا أن بعض عناصره قامت لاحقا بمطاردة شاحنات كانت تطلق الغاز والذخيرة على المعتصمين، ونقلت وكالة الأنباء الألمانية، عن شهود عيان، قولهم إن حريقا شب، مساء الإثنين، داخل مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، دون معرفة الأسباب ذلك، وقام الجيش السودانى، بتشكيل طوق أمنى لحماية المتظاهرين، وانضمت مجموعة من زعماء المعارضة البارزين للمحتجين خارج مقر وزارة الدفاع، وجددوا مطالبهم للبشير وحكومته بالتنحى على الفور. وبحسب شهود عيان، عاد الهدوء الحذر إلى منطقة الاعتصام، الذي يشارك فيه عشرات الآلاف، بعد محاولة الفض، وتجمع محتجون على شكل حلقات، مرددين أهازيج، رافقتها زغاريد النساء، ودقات الطبول، وسط أجواء احتفالية، مع تزايد عدد المعتصمين وقدرهم البعض بحوالى مليونى شخص. وطالب زعيم حزب الأمة السودانى الصادق المهدى، الرئيس البشير بالتنحى والاستجابة لمطالب القوى الوطنية، ودعا إلى نقل السلطة إلى هيئة في القوات المسلحة تقوم بالتفاوض مع المتظاهرين حول شكل النظام السياسى خلال الفترة المقبلة، وقال في مؤتمر صحفى إن «مسلحين ملثمين يقومون فجرا، كل يوم بغارة على المعتصمين ما أدى لمقتل نحو 20 وجرح العشرات»، وقال إن الاعتصام بمثابة استفتاء مليونى يؤكد حرص الشعب على تنحى النظام وإقامة نظام جديد، مشيرا إلى أن الحل الأمثل هو الاستجابة لمطالب الشعب بتنحى النظام ورئيسه وتحقيق المطالب التي نادت بها قوى الحرية والتغيير. وتأتى تلك التطورات بعد تأكيد وزير الدفاع السودانى، عوض محمد أحمد بن عوف، النائب الأول للبشير أن الجيش يقدر أسباب الاحتجاجات، ولن يسمح بانزلاق البلاد نحو الفوضى ولن يتسامح مع أي مظهر من مظاهر الانفلات الأمنى، وحذر من جهات تحاول استغلال الأوضاع لإحداث شرخ في القوات المسلحة وإحداث الفتنة بين مكونات المنظومة الأمنية، وأكد أن القوات المسلحة هي «صمام الأمان ولن تفرط في أمنه ووحدته وقيادته»، بينما قال وزير الإعلام السودانى حسن إسماعيل إن قوات الأمن في بلاده تعمل في انسجام تام. وترأس البشير اجتماعاً مساء الإثنين، للمكتب القيادى لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم الذي يتزعمه، وقال خلال الاجتماع، إن «حفظ الأمن والاستقرار أولوية وإن الشعب السودانى يستحق الطمأنينة»، وأكد أن السودان «سيعبر الأزمة أكثر قوة وتماسكا، مشيرًا لأهمية استخلاص العبر والدروس»، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السودانية «سونا». وقالت سفارات الولاياتالمتحدة وبريطانيا والنرويج في بيان مشترك «لقد آن الأوان للسلطات السودانية لكى ترد على هذه المطالب الشعبية بطريقة جدية وتحظى بمصداقية»، وأضافت أن الشعب السودانى يطالب بانتقال إلى نظام سياسى يكون شاملا لكل الأطراف، مبدية استعدادها لدعم مثل هذه العملية السياسية والمساهمة في حل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، وأكدت أنه يجب على السلطة أن تضع «خطة انتقال سياسى تحظى بمصداقية»، ودعت إلى الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين ووقف استخدام العنف ضد «متظاهرين مسالمين».