لم يعبأ نور الدين محمود زنكى بهزيمته أمام الفرنجة سنة 558ه، فى معركة البقيعة، حين باغتوا المسلمين، حيث هجم عليهم الفرنجة حتى قبل أن يتمكنوا من ركوب الخيل أو أخذ السلاح، وأكثروا فيهم القتل والأسر، فنزل نورالدين عند بحيرة «قدس» بالقرب من حمص وقال: «والله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأرى وثأر الإسلام» وكان الفرنجة قد عقدوا العزم على التوجه إلى حمص بعد انتصارهم؛ لأنها كانت أقرب البلاد إليهم، ولما بلغهم نزول نور الدين بينها وبينهم قالوا: لم يفعل هذا إلا وعنده قوة يمنعنا بها، فراسلوه يطلبون منه الصلح، فلم يجبهم، فعادوا لبلادهم، وبعد ذلك بدأ نور الدين بتجهيز قواته، استعداداً لمواجهة الفرنجة والأخذ بالثأر، وفى العام التالى خرج الفرنجة من عسقلان لقتال أسد الدين شيركوه بمصر، فاستغل نورالدين فرصة خروجهم، وراسل الأمراء يطلب العون والنصرة، فجاءوا من كل فَجّ، فلما اجتمعت الجيوش سار نحو «حارم»، وهو حصن فى بلاد الشام من جهة حلب، فى شهر رمضان سنة 559ه، فحاصرها ونصب المجانيق عليها، ثم تابع الزحف للقاء الفرنجة، الذين تجمعوا قريباً من الساحل مع أمرائهم وفرسانهم بزعامة أمير أنطاكية. وبدأ القتال والتحمت الصفوف، فهجم الفرنج فى البداية على ميمنة الجيش الإسلامى حتى تراجعت الميمنة، وبدا وكأنها انهزمت، وكانت تلك خطة من قبل المسلمين اتُّفِق عليها لكى يلحق فرسان الفرنج فلول الميمنة، لتنقطع الصلة بينهم وبين المشاة من قواتهم؛ فيتفرغ المسلمون للقضاء على المشاة، فإذا رجع الفرسان لم يجدوا أحداً من المشاة الذين كانوا يحمون ظهورهم، وأحاط بهم المسلمون من كل جانب، وألحقوا بهم هزيمة مدوية، وخسائر فادحة قُدِّرت بعشرة آلاف قتيل، ومثل هذا العدد أو أكثر من الأسرى، وكان من بين الأسرى أمير أنطاكية وأمير طرابلس، وفى مثل هذا اليوم 21 رمضان 559ه انتصر المسلمون على الفرنجة فى معركة حارم، بقيادة نورالدين محمود زنكى.
