في عام 559ه خرج الفرنجة من "عسقلان" لقتال أسد الدين شيركوه بمصر فاستغل نور الدين فرصة خروجهم وراسل الأمراء يطلب العون والنصرة فجاءوا من كل فَجّ، وكتب إلى الزُهَّاد والعباد يستمدّ منهم الدعاء ويطلب أن يحثوا المسلمين على الغزو والجهاد في سبيل الله ولما اجتمعت الجيوش سار نحو "حارم " -وهو حصن حصين في بلاد الشام ناحية حلب كان ذلك في شهر رمضان من هذه السنة، فحاصرها ونصب المنجنيق عليها، ثم تابع الزحف للقاء الفرنجة الذين تجمعوا قريبًا من الساحل مع أمرائهم وفرسانهم بزعامة أمير أنطاكية وقبل المعركة انفرد نور الدين بنفسه تحت "تل حارم" وسجد لله ومرَّغ وجهه وتضرع وقال: "يا رب، هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك وبدأ القتال والتحمت الصفوف، فهجم الفرنجة في البداية على ميمنة الجيش الإسلامي حتى تراجعت الميمنة، وبدا وكأنها انهزمت، وكانت تلك خطة من قبل المسلمين اتُّفِق عليها لكي يلحق فرسان الفرنجة فلول الميمنة ومن ثَمّ تنقطع الصلة بينهم وبين المشاة من قواتهم فيتفرغ المسلمون للقضاء على المشاة فإذا رجع الفرسان لم يجدوا أحدًا من المشاة الذين كانوا يحمون ظهورهم وبهذه الخطة أحاط بهم المسلمون من كل جانب وألحقوا بهم هزيمة مدوية وخسائر فادحة قُدِّرت بعشرة آلاف قتيل وفي اليوم التالي استولى نور الدين على "حارم" بعد أن أجلى الفرنجة عنها وكان ذلك فتحًا كبيرًا ونصرًا مبينًا أعاد للمسلمين الهيبة في قلوب أعدائهم وأعزّ الله جنده وأولياءه في شهر رمضان المبارك