■ فى القرن التاسع عشر، وفى ظل الاحتلال التركى البغيض، عانى المسيحيون فى بلاد «الشام التاريخى» (سوريا ولبنان وفلسطين) من الاضطهاد والظروف المعيشية الصعبة، والاحتراب والمذابح الطائفية، ما أدى إلى نزوحهم فى موجات من الهجرات إلى بلاد عديدة، بحثاً عن الأمن والأمان والعيش الكريم. ولأن مصر فى تلك الآونة كانت بلاد الأمن والأمان والعيش الكريم- حتى بعد قدوم الاحتلال البريطانى- فقد نالها نصيب متميز من تلك الهجرات. فقد كانت مصر مقصداً نموذجياً، ليس فقط للشوام، بل لكل الباحثين عن الثروة والعيش الكريم- والمغامرين أيضاً- من مختلف البلدان، وبصفة خاصة تلك البلدان ذات المستوى المعيشى المتواضع، مقارنة بمصر، والمطلة على البحر المتوسط، مثل إيطاليا واليونان. ■ احتضن المصريون كل الباحثين عن الأمن والأمان وتحقيق الأحلام، بلا تفرقة بين الملل والنحل والأعراق. كانت مصر مكاناً جاذباً للآخر، جاذبة بثرواتها الكائنة والمتوقعة، جاذبة بمناخها الدافئ المعتدل، وبدفء أهلها، وحسن احتفائهم بالغرباء لا بالمستعمرين- وتعايشهم فى سلام مع بعضهم البعض، مهما اختلفت العقائد. كانت مصر جاذبة بكل ما يجعل «الوافدين»- بعد حين- مواطنين «متمصرين» يعيشون عيشة أهل البلاد، وينتفى لديهم شعور الغربة والاغتراب. كانت مصر فى تلك الآونة هى أرض الأحلام.. هى «أمريكا الشرق الأوسط». ■ أعطت مصر الكثير لمن لاذوا بها، كما أعطوا هم لها أيضاً الكثير. أعطوا لها ذلك المناخ الكوزموبوليتانى (العالمى) الثرى، الناجم عن تداخل وتفاعل ثقافات مختلفة، وعن تعدد الخبرات المهنية والعلمية. وانعكس كل ذلك على نوعية الحياة وجودتها بصفة عامة. ■ لعب الوافدون الشوام- فى مصر الكوزموبوليتانية- دوراً مهماً فى مجالات عديدة، ولعل أبرزها تلك المجالات الفكرية الثقافية والفنية، والصحافية. والأمثلة عديدة، وصحيفة الأهرام ودار الهلال بإصداراتها المختلفة على سبيل المثال- دليل على عظم ذلك الدور. فضلاً عن العديد من المجلات والدوريات الأخرى. ويكفى ذكر بعض من الأسماء التى كان لها دور تأسيسى مهم فى إثراء النهضة المصرية، من أمثال شبلى شميل ويعقوب صروف، فارس نمر، مارون وسليم نقاش، جورجى زيدان، إميل زيدان، سليم وبشارة تقلا، إسكندر وشاهين مكاريوس، فارس نمر، سليم سركيس.. البستانى. وغيرهم العديد ممن أضافوا الجديد من الطاقة الحيوية للمناخ الفكرى والثقافى فى مصر. ■ مجلة «المقتطف» التى أسسها الدكتور «يعقوب صروف» والدكتور «فارس نمر» صدرت أولاً فى «بيروت» ثم هاجرت مع مؤسسيها إلى أرض الأحلام «مصر» وصدرت منها، مع نهاية ثمانينيات القرن التاسع عشر. كانت «المقتطف» من المجلات المعنية بنشر الثقافة العلمية والأدبية والتاريخية، وغير ذلك من مجالات. وفى عدد شهر إبريل عام 1926، نشرت «المقتطف» رسالة تتناول أشعاراً لشاعر من شعراء المهجر فى البرازيل، هو الشاعر «إلياس فرحات» بعنوان «رباعيات فرحات». وأشعار «إلياس فرحات» وإن كانت لا تطاول أشعار شعراء المهجر العظام من أمثال «جبران» و«إيليا أبوماضى» و«ميخائيل نعيمة» فإننا نجد فيها ما يستحق أن يقتطف، فهى رغم بساطتها لا تخلو من اللمحات التأملية الإنسانية، وبث روح التسامح بين الناس، فضلاً عن الطرافة، وانتقادها لرجال الدين لاهتمامهم بالشكليات الطقسية، وليس بمقاصد الأديان. كما أنها تعكس جانباً من مناخ حرية الإبداع والنشر فى مصر فى تلك الفترة… عام 1926. ■ يقول «إلياس فرحات»: ■ أسلافنا كانوا إذا مات امرؤ يستأجرون لندبه نسوانا يدنين للميت العزيز فضيلة صدقا وألف فضيلة بهتانا أما الذين عرفتهم فى عصرنا ممن يريدون العلو مكانا يستأجرون ليمدحوا أمواتهم صحفا أحط من النوادب شانا ■ ■ ■ ■ قالوا الحفيد بشكل الجد قلت لهم / الشكل يجمع بين الهر والنمر قلبت فى كل قطر ينزلون به / عينى فما وقعت إلا على هرر مات الجدود ومازالت مآثرهم / تحيا وعشنا بلا ذكر ولا أثر تحت السياط نغنى فاخرين بما / يعزى لأسلافنا من سالف الظفر ■ ■ ■ ■ سيزول جيل فاسد متعصب / متأثر علمائه الجهلاء ًلا يفهمون الدين إلا جبه / وعمامة وتنطعا وهراء إن يخسر الوطن اللواء وأخته / وسواهما فالأمر ليس بلاء أما إذا نقض الوضوء، فنكبه / ذرى الجبال وتغمر الأوداء ■ ■ ■ ■ هام القسوس بتنظيم الطقوس وما / فيها من الدين غير الزهو والترف قد صيروا الدين فى الدنيا كلؤلؤة / مطروحة تحت أكداس من الصوف وشر ما فعلوه أنهم فتحوا / بابا يفر إليه كل معترف مادام من يعترف تغفر خطيئته / ماذا على اللص أن يسرق ويعترف ■ ■ ■ ■ غمر الأرض بالأنوار النبوة / كوكب لم تدرك الشمس علوه ٌ بينما الكون ظلام دامس / فتحت فى مكة للنور كوه ّإن فى الإسلام للعرب على / إن فى الإسلام للناس أخوه ّفادرس الإسلام يا جاهله / تلق بطش الله فيه وحنوه ■ ■ ■ ■ دع آل عيسى يسجدون لربهم / عيسى وآل محمد، لمحمد فيوحدون ويشركون جهاله / والموت يخلط مشركا بموحد تعويد كفّيك الصلاح أبرّ من / تعويد رجليك الوقوف بمسجد أنا لا أصدق أن لصا مؤمنا / لربك، أدنى من شريف ملحد ■ ■ ■ ■ يا جار جار على الظالمون كما / جاروا عليك ولم نرحل ولم نثر نخشى الغريب ونخشى بعضنا فإذا / حل البلاء شكونا الضيم للقمر فيم التقاطع والأوطان تجمعنا / قم نغسل القلب مما فيه من وضر مادمت محترماً حقى فأنت أخى / آمنت بالله أو آمنت بالحجر