خلال الأيام الأخيرة؛ لاحظنا جميعا موجة عاتية من الهجوم و الإنتقاد الحاد موجهين لرئيس الحكومة الدكتور عصام شرف؛ و ازدادت لهجة الإستعداء عليه و على رجالات حكومته خاصة بعد حركة المحافظين الأخيرة و احتجاجات قنا خلال الآونة المنقضية. بل إن ثمة هنالك بعض أصوات ناشدته الإستقالة من أجل إثبات ولائه للثورة ولمصر!!!! عموما فإن حرية الرأي والفكر التي نشهدها في أعقاب ثورة الخامس و العشرين من يناير وحدها هي التي تتيح لكل منا الآن أن يجلس على طاولة الحوار كي يشارك برأيه و إن لم يكن مقبولا لدى قطاع من البشر أو فئة من القوم. في البداية لم يروقني الأمر و عندما سألني أحد المواطنين عن رأيي في ذلك لم أتردد وقلت: دي ثورة مضادة يا سيدي الفاضل ما في ذلك من شكّ! . فأجابني برد ردني إلى جادة الحق و الصواب : أرجوكي ما تقوليش ثورة مضادة لأنني أؤكدلك إنه في ناس ممكن تسمعك و تقول عليك ثورة مضادة برضو. ذهلت وفكرت ثم وجدت أنه ثمن الديمقراطية لابد أن يدفع؛ تسمع الرأي و الرأي الآخر حتى و إن لم يلق قبولك واستحسانك. لا ابالغ إن قلت أن منجزات الثورة على أرض الواقع حاليا منجزات هائلة يجب الإلتفات إليها و أن الله عز وجل قد خلق السماوات و الأرضين في ستة أيام ثم استوى على العرش؛ و قد كان قادرا أن ينجز الأمر كله في يوم واحد و لايعجزه ذلك جل وعلا ؛ إنما أراد أن نتعلم بنو بشر حكمة التدرج. لقد تنحى الرئيس المصري السابق عن الحكم و سلم السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تعهد أمام بني الشعب تسليم السلطة سلميا خلال ستة أشهر. و تم الإستفتاء على مجموعة من التعديلات الدستورية في التاسع عشر من مارس الماضي ليتم دمجها في إعلان دستوري مؤقت ريثما تتكون لجنة تأسيسية لتشكيل دستور جديد؛ و رغم أن هذه التجربة قد لاقت نقدا من الكثير و دارت التساؤلات عن قيمة الإستفتاء الذي شق صفوف الشعب بين مؤيد ومعارض دونما جدوى نتيجة لعدم وضوح الرؤية؛ وحول كيفية إدارة الإستفتاء بطرح التعديلات في صورة حزمة للقبول أو الرفض؛ إلا أنني أرى أن هذا الإستفتاء كان أول نموذج لتجربة ديمقراطية حقيقية في مصر؛ و قد ساهم في إبراز بعض العيوب حتى يسعنا تلافيها فيما بعد؛ كما أن المجلس العسكري أثبت كم كان حريصا على الثورة؛ بل و كان ثوريا أكثر من الثوار ذاتهم حينما أسقط دستور 1971 البائد. تم تحديد ميعاد للإنتخابات التشريعية في سبتمبر المقبل و الرئاسية في ديسمبر الذي يليه. تم إطلاق حرية الأحزاب مع حظر التحزبات القائمة على أساس ديني؛ فئوي؛ طبقي ؛ أو جغرافي؛ وإن شاب ذلك منع الدعم المادي للدولة للأحزاب ؛ فذلك للوضع المادي الحرج للبلاد ولتقليص سلطة الدولة على الحزب. و تم فتح باب تحقيقات موسعة لكبار رجالات الدولة المتورطين في الفساد أو في أحداث يناير الماضي؛ و لكل من يشكك في هذه التحقيقات أو نزاهة القضاء أو النائب العام؛ فقد طالت التحقيقات الكبير و الصغير؛ ودارت الدوائر على دولة مبارك؛ و لا تزال رحا الحرب تطحن أعداء الثورة. و أطلقت رصاصة الرحمة على الحزب الوطني الديمقراطي ؛ فتم حله وتجميد أرصدته؛ و قد كان هذا حكما سياسيا بإمتياز ولم يكن حكما قضائيا؛ فلو اطلعنا على أسباب الحكم نجدها كلها متعلقة بشرعية الثورة و ليس لها صلة بالجرائم الثابتة؛ وقد صدر الحكم كحكم نهائي لا يجوز الطعن عليه. و كانت كل هذه المنجزات على الصعيد السياسي قد تمت بقدر كبير من التعاون بين المجلس العسكري الذي نكن له كل تقدير وبين حكومة شرف. وإذا وصفنا حكومة الدكتور شرف نجد أنها حكومة تسيير أعمال الغرض منها عدم تعطل دولاب العمل و الحياة في البلاد و ليس لها الكثير من الصلاحيات ؛ فهي حكومة إنقاذ للبلد من الفراغ الإداري و المؤسسي ؛ و منوط بها التعامل مع المشكلات الحرجة و الأزمات المستجدة على البلاد وما أكثرها في الفترة الأخيرة. فقد تعاملت بشكل جيد مع أزمة المياه في الآونة الأخيرة؛ و حاولت استرجاع العلاقات الدبلوماسية مع جارتنا الشقيقة السودان وفتح أبواب للتعاون المشترك. و قامت بتجريم البلطجة و أعمال العنف و تشديد العقوبات لتعزيز أمن المواطن؛ و إن كنا جميعا نختلف على إحالة المدنيين إلى محاكم عسكرية إلا أن أحدا لا يختلف على الممر الوعر الذي تمر به البلاد و نخشى أن نهلك فيه أونردى. قانون تجريم الإعتصامات المخلة بالمصالح و الأشغال أيضا رغم الإختلاف الواضح معه حيث أنه ينتهك حقا من حقوق الإنسان إلا أن له خلفية إقتصادية نعلمها مع الأزمة الإقتصادية الحرجة التي تمر بها البلاد؛ و مع ذلك فإنني أرى أنه لم يتم تفعيله إلى حد كبير. ربما تعثرت مبادرة المصالحة بين الشرطة والشعب كثيرا ولكنني لا أجد ذلك لقلة كفاءة القائمين عليها و لكن الحدث كان جللا مفزعا و تواتر الأحداث كان أسرع من إستيعابها. ربما تأخرت الإستجابة لمطالبات جامعات مصر قاطبة بتطهيرها من أدرانها و تعيين قيادات منتخبة؛ و لكننا نعلم ضرورة تغيير قانون الجامعات كيما يكون التغيير شرعيا نافذا. ربما وجدنا تأخرا ملموسا في التعامل مع مشكلة قنا حتى تم تحويرها إلى مشكلة طائفية مقيتة؛ و لكنه خطأ وارد و ليس خطيئة و لايجدر بنا أن نتعامل مع كل الحكومات بمنطق مشرط الجراح أو مقاصل الثورة الفرنسية. أنا لا أنكر ولائي الجارف للمجلس العسكري و حكومة الدكتور شرف الذي يسعدنا أن يكون رئيس مصر القادم ؛ و لكنني هاهنا استعرضت كافة الأوضاع بما لها وما عليها ؛ ما وسعني ذلك و ما وفقني إلى ذلك الله. و الآن أحاول أن أجد إجابة لسؤال زميلي عن سبب الحملة التي يواجهها رئيس الوزراء الآن؛ فأجد أن عصام شرف لايملك كاريزمة عبد الناصر ولا يكتب خطب كخطب السادات العصماء؛ بل هو رجل يعمل في صمت وهي ثقافة ما زالت مستغربة في مصرنا؛ ولا تلقى قبولا واسعا لدى الفئة الأكثر بساطة التي تحفل أكثر بالتصريحات و الخطب الرنانة. و لكنها فترة على أي حال يستطيع بعدها ذلك الشعب العظيم ملاحقة الركب و الإضطلاع بالمهام العظيمة الملقاة على على عاتقه في قادم الأيام و ما أكثرها.