من بين الوسائل التي قد تثير الفتن وتربك الواقع، وتؤدي إلى بعض الانطباعات السلبية عن بعض الأشخاص أو عن بعض الجهات، ما يُثار من أخبار عن أشخاص معينين أو عن جهات معينة، ولا سيّما في هذا العصر الذي كثُرت فيه وسائل الإعلام التي تنقل الخبر وتصنع الأكاذيب وتثير الإشاعات، سواء كانت من وسائل الإعلام المسموعة، من قبيل ما نسمعه في الإذاعات أو في أشرطة التسجيل، أو من وسائل الإعلام المرئية، كما نلاحظه في التلفزيونات وأمثالها، أو المقروءة كالصحف، أو المسموعة على المستوى الاجتماعي كما يتناقله الناس في السهرات وفي الخطابات... هذه الوسائل قد تربك الواقع السياسي والواقع الاجتماعي والواقع الأمني، وقد تدمر كثيراً من مواقع الخير وتشجّع الكثير من مواقع الشر.والناس نتيجة تقديسها لهذه الجهة أو تلك، قد تندفع بشكل عاطفي وتحدث فتنة طائفية وفتنة مذهبية، وهذا ما لاحظناه فى الاون الاخيره الله يعطينا صورة عمّا عليه هؤلاء الناس، عندما تلتقي هذه الأجيال {وإذ يتحاجّون في النار} يتناقشون، {فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً} أي كنّا نسير خلفكم ونحن نغمض عيوننا، ونتبعكم في كل ما تأمروننا به وكل ما تنهوننا عنه، وفي كل البرامج، {فهل أنتم مغنون عنّا نصيباً من النار} مثلما خدمناكم في الدنيا وحاربنا معكم وساعدناكم وأيدناكم، فمقابل هذه الخدمة التي خدمناكم إياها في الدنيا احملوا عنا جزءاً من عذاب النار ليخفف عنا قليلاً، {قال الذين استكبروا إنّا كلٌ فيها}، لا تتكلمون معنا فكلّ واحد أخذ حصته، {إن الله قد حكم بين العباد}فإذا كنّا نحن ضالّين فأين عقولكم؟ لماذا لم تحكموا عقولكم؟ لماذا لم تقرأوا كتاب ربكم؟ لماذا لم تستمعوا إلى وصايا رسولكم؟ لماذا لم تفتحوا قلوبكم للمواعظ التي وعظكم بها المرشدون لكم؟ نحن وأنتم سواء، الذين كانوا قبلنا أضلونا وسرنا على الطريق وأنتم أيضاً ضللتم بنا، وقد قامت الحجة عليكم وعلينا، فكل واحد يتحمل نصيبه، لا نحن نأخذ عنكم نصيباً من النار، ولا أنتم تأخذون عنّا {كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار وعلى ضوء هذا، كنا نتحدث دائماً، أنّ على الإنسان أن ينمي عقله بالتفكير والتأمل والتجربة والقراءة والحوار، وأن نستفيد من تجاربنا وتجارب الآخرين ولا تطيعوا الشخص الذي يقول لكم لا تفكروا، أو الذي يقول لكم أنا أفكر لكم، بل علينا أن نفكر وأن نستشير من يفكر، أن نضم فكرنا لأفكارهم، لا أن نخضع لهم. هناك بعض الناس الذين يسيطرون علينا ولا يريدون للشعب أن يفكر، لأنهم يعرفون أن الشعب إذا وعى وصار يفكر، صار يميز الجيد من غير الجيد، وصار يعرف من يخطىء ومن لا يخطىء فالعقل هو حجّة الله علينا، وعلينا أن ننمّي عقولنا وأن نسأل عن كل ما نسمعه من كلام، وأن نناقش ما يعرض علينا من أفكار، حتى يقتنع عقلنا بها أو يرفضها. لهذا كونوا أحراراً، الله سبحانه وتعالى لم يمنح الحرية المطلقة لأعضاء الإنسان، بل جعل لكل عضو حدوداً لا يجوز له أن يتجاوزها، سواء في العينين فيما ينظر إليه، أو في الأذنين فيما يسمع بهما، أو في يديه ورجليه وكل أجهزة جسمه، حيث جعل الله لكل واحدٍ من هذه الأعضاء حدوداً، ولم يطلق الحرية المطلقة إلا للعقل، فالإسلام أعطى للعقل حريته في أن يفكر في كل شيء، ولم يجعل له آفاقاً ضيّقة يحشر في داخلها، بل إننا عندما نقرأ القرآن الكريم وندرس الآيات التي تذكر العقل، نجد أنه يقحم العقل في كل أوضاع الكون الإنساني؛ في تطلعات الإنسان في نفسه، وفي الكون من حوله.الله تعالى قال للعقل كُن حراً، فكّر في ما تريد، ليست هناك حدود لتفكيرك، فكر في الله، فكر في كل ما يقوله الآخرون وما لا يقولونه، ولكن تحمّل مسؤولية فكرك، بحيث تجعله ينطلق في الخطوط التي يمكن لها أن تنتج النتائج الإيجابية وأن تصل إلى الحقّ، لأنّ كل إنسان سيقف غداً بين يدي الله تعالى ليقدّم حساب عقله قبل أن يقدم حساب جسده، لأنّ أيدينا وأرجلنا وجلودنا وألسنتنا ستشهد علينا يوم القيامة، أما العقل فعلينا أن نقدّم شهادتنا عنه أمام الله، كيف فكر وعلى أي أساس، وما هو منهجه، وكيف وصل إلى هذه النتيجة الإيجابية أو تلك النتيجة السلبية