احتفالات أسطورية (2)

وعلى هامش الاحتفالات بافتتاح قناة السويس عام 1869، فى سراى الجزيرة، كان عالم المصريات «مارييت» يلقى محاضرات عن الحضارة الفرعونية على الإمبراطورة «أوجينى» والسيدات من حاشيتها قبل سفرهن إلى صعيد مصر، ورافق الخديو جلالتها حتى أسيوط ثم تولى الأمير (السلطان فيما بعد) حسين كامل مهمة رعاية الإمبراطورة خلال رحلتها.
مقالات متعلقة
* احتفالات أسطورية (1)
* ألبوم ذكريات فتى النساء المدلل (5)
وفى السادس عشر من نوفمبر كانت هناك ثمانون سفينة من مختلف الجنسيات فى ميناء بورسعيد. واستقبلت الباخرة الملكية «الإيجل» استقبالاً حافلاً وسط طلقات المدفعية، كانت الإمبراطورة تدرك أنها نجمة هذه الاحتفالات التاريخية. وأرسلت برقية إلى زوجها نابليون الثالث كتبت فيها: استقبال حار، لم أر فى حياتى مثل ذلك.. وكتبت عن حفل دينى إسلامى- مسيحى غير مسبوق فى «الشرق» أقيم بعد الظهر على رصيف أوجينى، وأشارت إلى أن علماء الدين الإسلامى أدوا شعائرهم بشكل متزن. بينما مرشد قصر التويلرى وكان يرتدى رداءً أرجوانياً ألقى موعظة طويلة ومملة!.
حيا إسماعيل باشا الإمبراطورة: «روحك الشجاعة تفعل أعظم الأشياء فى صمت».. وأشاد بدور فرنسا فى إنجاز أعظم مشروعات القرن. أشارت «مدام كوليه» إلى آلاف الأعلام والرايات الملونة التى ترفرف فى بهجة تحت السماء المشرقة. والصليب ينتصب بجوار الهلال وسط احترام الجميع. وحضور مهيب وجامع فى مهرجان عظيم للجنس البشرى!.
وفى صباح يوم السابع عشر من نوفمبر، دخل قناة السويس أسطول مكون من أربعين سفينة، تتقدمه سفينة الإمبراطورة ثم سفينة إمبراطور النمسا. احتشد أهالى الإسماعيلية فوق منازلهم والأماكن العالية لمشاهدة الموكب البحرى، حتى لاح خلف التلال الرملية صارى «الإيجل». تتقدم فى بطء حتى دخلت حوض السفن. عندها أُطلقت جميع بطاريات المدفعية والجماهير الغفيرة تصفق. إنه حقا شىء رائع. الإمبراطورة تقف فى مؤخرة باخرتها تلوح بمنديلها وبجوارها «ديلسبس».. وطارت القبعات فى الهواء وأمراء ووزراء ومهندسون يتبادلون العناق والتهنئة، ودموع الفرحة فى عيون أكثرهم. لقد تم عبور نصف القناة خلال ثمانى ساعات ونصف الساعة!. وبدأت الأفراح. وإلى جانب ضيوف الخديو. فقد دعا أيضاً جميع موظفى شركة قناة السويس وعشائر البدو فى المنطقة: «فى المساء الأضواء والزينات فى كل مكان. الألعاب النارية أمام مقر الخديو.. خيام كبيرة صفت بها موائد مفتوحة لاستقبال خمسمائة شخص، وأخرى تسع ثلاثمائة شخص، وأكثر من ثمانية آلاف أتوا من الصحراء. أطعمة فاخرة. ونبيذ فاخر. لحوم ضأن وطيور وأسماك وبط برى. مزيج من البذخ الشديد والفخامة غير المألوفة»!. وفى الساعة الحادية عشرة والنصف من اليوم العشرين من نوفمبر كتبت مدام «كوليه»: «دخلت السفينة (إيجل) البحر الأحمر وتغيرت خريطة العالم».
أما مدام «أولمب إدوارد» الكاتبة والأديبة الفرنسية فشهادتها عن عصر الخديو إسماعيل كانت كالآتى: أكثر عصورنا التاريخية ثراء وحركة شاملة فى جميع المجالات. فقد آثر الإصلاح القوى العنيف من أجل الأخذ بأسباب الارتقاء الحضارى فى العمران والزراعة والتعليم.
(المصدر: عرفة عبده على- مصر بعيون نسائية أوروبية)
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة
text