أقترب بمقعده نحوى ودنا برأسه من رأسى وقال بصوت خافت أرفع رأسك ياأخى حتى اقطعها وهنا انتفضت بدورى وسألته على الفور من أنت وهل تعرفنى ؟؟ اجاب وبصوت خافت تخالطه رعشة خوف ... نعم دكتور سمير التلت .. فوقفت منحنيا قائلا استاذى العظيم لم ارك منذ اكثر من ثلاثين عاما عندما كنت طالبا بكلية الحقوق جامعة اسبرطة قال نعم وانا ولمدة طويلة لم ار نور الشمس سوى لدقائق كل فترة فسألته بأى بلد بأحد القطبين كنت قال ببلدى وسط اربعة حوائط من الطوب الأحمر بحجرة مستطيلة بطول المترين وعرض المتر تقريبا وهنا وقفت منحنيا امام رمز من رموز الزمن كنا كذلك نعده مفكرا وفيلسوفا خلوقا فى ان واحد وهنا امتزجت العاطفة مع العقل لتسطران حوارا مع هذا الرجل الرائع دكتور سمير التلت علّنى اعرف الكثير من رجل موسوعى مثله ربما استبين مدلول عبارته الفائتة فقد كان ثورى المشاعر وطنى الأحاسيس مثالى الأخلاق والأمانى بالدرجة التى كانت تجعل جل طلابه يقتفون أثره وأعتقد حتى مرساه الأخير الذى اخبرنى به وذلك لأنى لم أر أياً منهم منذ ذلك التاريخ وإبتدرته متسائلا أتذكر أستاذى تلاميذك على حمدين ورفاقه؟ أجابنى : نعم مجموعة العشرين فقد كنت رفقتهم فترات مديدة رهن الاعتفال سألته: وبأى تهمة قد واجهتم هذا المصير اجاب: مقال تم نشره بجريدة لسان الشمس كان عنوانه تلك الجملة الفائتة (ارفع راسك يااخى حتى اقطعها ) وكان مضمونه ردة الثورة على مبادئها ... سألته كيف ؟؟ اجاب : ان الثورة اى ثورة لابد وان تفتئت على مبادئها كما وان الحاكم يفتئت هو الأخر على مبادئه بمجرد وصوله المقعد الرفيع فتجد من الحكام من كان قبل توليه الحكم فيلسوفا رائعا ومن دعاة الديموقراطية ومن أعظم المنادين بمبادىء حقوق الإنسان بل ومحارب للافكار الرجعية والأفكار السوداوية من أوامر الاعتقال وربما اكثر من ذلك خاصة وان كان نفسه ضحية لها ذات يوم تراه هو ذات الشخص الذى يوليها اهتمامه ويجعلها أحد أليات حكمه إن وصل اليه والأمثلة كثيرة فى هذا الشان لذا كان ضرورياً النصيحة لرجال الثورة فى بلدى اسبرطة الثانية عشر فسألته وبم نصحت قال نظرت نظرة فاحصة لمبادىء الثورة فوجدت ان كل مبادئها تدور حول القضاء على الإقطاع والاحتكار وسيطرة راس المال على الحكم وكان هذا المبدا هو عين ماإفتأت عليه رجال الثورة بعد إرتكاز دعائمها فعاد الإقطاع فى صورة اخرى وسيطر رأس المال على الحكم مرة اخرى وايضا بعدما نجحت الثورة فى اعطاء ملكية ادوات الانتاج للشعب وسنّت القوانين كقوانين الاصلاح الزراعى فى طريقها للأخذ بيد الفقراء والشعب العامل .... كذا كانت قرارات التأميم للشركات والمصانع والقطاعات الإستراتيجية فى طريق إرساء ملكية الدولة وتدعيما لملكية الشعب ومحاربة للإقطاع الرأسمالى عديم القلب والرحمة وبعد فترة من إرساء هذه المكتسبات للشعب إرتدّت مبادىء الثورة على زاتها فإنتصر الإقطاع وإرتدى حُلّة جديدة ولسان جديد وأصبح له ميديا واليات اعلامية وبدا يسقط من الحسابات شعب اسبرطة وعاد مجتمع النصف فى الماءة وعاد الاحتكار واصبحت مكتسبات الثورة بيد النصف فى الماءة يُخدّم عليهم باقى الشعب وبات الاخير خائفا على القطاعات الاخرى الاستراتيجية وبات طموح الشعب فى العدالة الاجتماعية مستحيلا فكان لابد من النصيحة فى صورة مقالات قمت بنشرها بجريدة لسان الشمس وكان ثمن كل مقال فترة أمضيتها داخل الحوائط الأربعة ....سألته وهل كان لثورة إسبرطة مبادىء أخرى تم الإفتئات عليها ؟ أجاب نعم منها مجانية التعليم فقد اصطدمت مع رغبات النصف فى الماءة فى محاولة منهم لتدعيم فئتهم بالحظوة الاجتماعية بمايعنى عودة الراسمالية معدومة القلب وقد كان لهم ماأرادوا أما المبدأ الأهم وهى الديموقراطية فقد كان من مبادىء الثورة فى منحى تاريخى لها ترسيخ دعائم الديموقراطية بلاحجْر على رأى او حَجَر فى رأى وإرتدت مبادىء الثورة على زاتها فامتلأت المعتقلات بدءا من زوار الفجر وحتى زوار الصلوات الاربع وكنت انا احد هؤلاء الضحايا بموجات من الإعتقالات المتعاقبة وكأن الفكر وصاحبه عَدُوّان يدفع كل منهما نتيجة حراك الأخر وهنا ووسط الجدران الأربعة صرخت بأعلى صوتى بأحد مبادىء ثورة اسبرطة قائلاً إرفع رأسك ياأخى واذا بصوتٍ ياتى الىّ من بعيد قائلاً... حتى اقطعها ... وهنا هَدّأتُ من روع الرجل وأخرجت منديلاً كففت به دمعه وربتت على كتفيه فقد بدا لى منه أثار انسان وقد دمره أخوه الانسان وانطلقت أنا الأخر بصرخةٍ عالية قائلاً إرفع راسك ياأخى ... واذا بصوتٍ يأتينى أنا الأخر من الخلف قائلا..... حتى اقطعها !!!!!!!!!!!!.