هو صديق حميم لدود (لا يبلع لى زلط.. ولا يفوّت لى غلط).. وهى الصديقة الأقرب من الهدب للعين.. هو يسألنى النزول إلى الشارع كما الكبار من المفكرين أتحدث عن محاكمة ودستور وقوائم وطنية ورئيس قادم.. ولا أدرى أىّ شارع يعنى؟ وأىّ كبار؟ أى شارع ذلك الذى ضَمّ شرائح وطن كما ضَمَّها ميدان التحرير؟ وأى كبار أكبر من أولئك الشباب الناضحة وجوههم بعرق بِشْرٍ وحب؟ هل هم أولئك القابعون خلف المكاتب.. المتنقلون بين الفضائيات؟ ومقاهى النخبة الفخمة؟ من هم الكبار سيدى الذين لم أجد أحدا ممن أعرف منهم فى الميدان وقد جبته (كعب داير) على مدى أسابيع؟ أيّهُم تعنى ومعظمهم منشغل برئاسة أو تشكيل حزب وتحضير لمجالس نيابية وأدوار أخرى؟ وكيف لى التحدث عما ليس لى به شأن وقد قلتها كثيرا (إن أهل مكة أدرى بشعابها - ويا غريب كن أديب) وأنا لست إلا حلقة من حلقات سلسلة وطن عربى، حالمة باستقرار وأمان وعدالة وحياة كريمة ومستقبل مضاء بنور فجر فتىّ، وحملات توعية عامة لتثقيف مجتمعات تجهل ما لها وما عليها، لكى لا تكون وجبة خفيفة لأصحاب المصالح الخاصة، وأجندات ولاء لحزب وكتلة وطائفة.. حالمة بميلاد ديمقراطية حقيقىّ، لا يولد من رحم «فوضى خلاقة» أو يجىء على فوهات مدافع احتلال.. حالمة مكانها شُرفة عربية تفترش سماء الوطن الكبير تعيش أحداثه لحظة بلحظة دون مزايدات. تراودها أمنية وسؤال. عن لماذا لم تكن يا صديقى فى مقدمة المفكرين الذين تعنى، بين أحداث ومتغيرات لتجود بخلاصة فكرك وتقود مسيرة تغيير بما يتأجج داخلك من ثورة وانتماء؟ أما صديقتى الغارقة بمصطلحات السياسة المقعّرة والكلمات المحدّبة، وثورية تشتعل بزيت بطولة وهمى، وحماس متأنّق بوشاح نفاق ورَقِىّ، فليتنى شاهدتها فى ساحة التحرير ببغداد تغرد مع المتظاهرين بهتاف تطرب له الأسماع، وليس صراخاً تتصدّع له الحلقات المفرّغة، وشعارات توجه الدفة لشطآن دم وطائفية، فى وطن ينحدر من سفوح مؤامرة إلى هاوية هلاك، ونظام مشغول بتحديد وتأجيل مؤتمر قمة، لا أدرى كيف جاز للعروبة أن تُعقدَ تحت ظل احتلال أمريكى ووصاية إيرانية؟ مئات الملايين من الدولارات تُرصد لرصف الشوارع وتهيئة طقوس الاستقبال، بينما المواطن محروم من كهرباء تضىء عتمة ليل، وتخفف حرارة صيف، محروم من رشفة ماء نقية تروى ظمأ، وسكن آدمى تَسْتَبدِل به فئات (ما تحت خط الفقر) مقالب القمامة التى أصبحت لهم مأوى وبيتاً.. مئات الملايين ترصد لمؤتمر تهاوت غالبية من كانوا بالأمس «زيفا» قمَمه، ما بين سجن ومنفى (وزنجة إثر زنجة) ومخابئ ذهول وحيرة ما بين التصاق أبدىّ بكرسىّ سُلطة، وبين ثورة شعوب تفلّ صيْحاتها الحديد.. أىّ مؤتمر قمة سيوقف سيل دماء الأوطان؟ أى مؤتمر فى بلد متقطع الأوصال تلعب به ريح الطائفية والجشع الصفراء.. تسقط أوراق التوت عن عورات الحقيقة؟ ماذا أقول لصديقى وصديقتى؟ وماذا أقول لأبنائى حين يشاهدون جيوش العروبة تسحق شعوبها على شوارع الاستبداد؟ وأىّ تحيّة تلك التى يستحقها جيش يبنى، ويحقن دماء ويحمى ثورة وحدوداً؟ أىّ تحية تقدير أقدّمها إليك (جيش مصر؟). إليك.. أعود بعد غياب: أحمل قلباً هدّه العطاء وتكلّس به نبض الحياة.. أضعه بين يديك لعلّ نفحة من أنفاسك توقظه من كابوس مَوتْ.. ولعلّ دمعة شوق من مقلتَى وفاء تروى جَدَب الأمل المفترش شرايين العمر.. ولعل لمسة حبّ تخفف وجع الجراح.. ولعلّك آخر صورة تُحْفر على ذاكرة النهاية.. عذرا لو إنْ عدتُ إليك اليوم.. اليوم فقط.. يااااا سيد البدايات والنهايات.