«فريسكا فريسكا» نداءات مُتكرره يرددها البائعون على شاطئ البحر، يمرون على الجالسين، فتتداخل أصواتهم كخلفية موسيقية مع صوت البحر، عارضين بضاعتهُم بشكل قد يسُر الناظرين، مُنتجات مختلفة جاءت لزوّار البحر خصيصًا، بأسعار متواضعة، فيناديهم أحد الزبائن لتبدأ حلقة الفصال، التى غالبًا ما تنتهى ب«عدى علينا بكرة». «تتصور يا بيه؟، تتصورى يا هانم»، بكاميرا متواضعة، وألبوم صور متنوع، يمر أيمن، 45 سنة، على المصطافين، عارضًا التقاط صورة للذكرى «الخالدة»، يُداعب الأطفال والكبار، أملاً فى صورة تجلب لهُ الرزق وزبائن أخرى، كما يقول سرّ المهنة: «أنا بالنسبة للزبون، مصوراتى العُمر، بأصوّر من الأحفاد لحد الأجداد». قبل 23 عامًا، شدّ أيمن الرحال من أسيوط إلى جمصة، تركَ استديو صغيرا يمتلكُه، وبطاقات تصوير الأفراح التقليدية، بحثًا عن نسمات هواء شماليّة: «أنا حافظ البلد دى، لمّا بأمشى بأكلم الرمل اللى على البحر». وعلى شاطئ جمصة، عمل أيمن كمصور شاطئ مُحنّك، كما قابل زوجته التى سحرته بجمالها، فتاة ريفية من إحدى المُدن المجاورة، فتزوجها وعاش فى المدينة الساحلية، إلى أن حفظ شوارعها ووجوه المصطافين جيدًا، بحكم مهنته: «وشوش الناس اتغيّرت من 20 سنة، مبقاش فى ثقة ولا احترام، والأسعار الغالية خنقت الناس». لا ينتهى يوم أيمن عند التقاط الصور، بل تبدأ رحلة أخرى لتحميض الصور، بعيدًا عن الشاطئ، وتحديدًا فى استديو يبعُد عدة أمتار، وهو الاستديو الوحيد فى المدينة، يلجأ إليه مصورو الشاطئ لتحميض وطباعة الصور. تبدأ رحلة أيمن يوميًا من السابعة صباحًا حتى غروب الشمس، يلتقط صورًا للمصطافين، كما يعرض عليهم التقاط الصور برفقة مُجسمات صنعها هو خصيصًا لجذب انتباه المصطافين، وهى عبارة عن مُجسم ضخم لحصان، أو أسد: «إحنا كُل شوية بنخترع طريقة جديدة نجذب بيها الزبون، يعنى من الحصان الصغير، واللبس البدوى، لحد النماذج المُجسمة دى». «زبون جمصة بقى يروح شرم الشيخ، لما الأسعار رخصت»، يشرح أيمن أسباب قلة أعداد المصطافين، وهو الأمر الذى جعل عملية «اصطياد الزبون» صعبة: «بأنشن على الزبون من يوم السبت، وده بداية مجىء الأفواج، وبعدين أبقى عِشرة معاهم لو عجبتهم الصور». «منها لله الموبايلات أم كاميرا، قطعت رزقنا»، يقولها أيمن بحُزن شديد، فأصبح فى السوق من ينافسه فى التصوير، فيما يبقى هو صامدًا أمام كل التحديات التكنولوجية الحديثة.