إن العدالة فى مصر بدأت تخطو خطوات إيجابية و أننا بصدد التحدث عن العدالة بمفهومها الشامل التى ترتبط بمفهوم التنمية المتواصلة و المستدامة ومن هنا سنحاول ان نوضح بايجاز شديد المفاهيم المختلفة للعدالة وارتباطها الوثيق بمشروعات التنمية وبتطوير المجتمع ومن مفاهيم العدالة الهامة عدالة الاحتياج من خلال قدرة الدولة على تلبية احتياجات مواطنيها بطريقة عادلة و متوازنة و نأخذ على سبيل المثال السياسة الزراعية حتى نقترب أكثر من تحقيق مفهوم عدالة الاحتياج على ارض الواقع فأن تحديد احتياجات مصر الاستهلاكية من المحاصيل الزراعية المختلفة و خاصة الاستراتيجية منها مثل القمح و الدقيق والذرة و تبنى استراتيجية هدفها فى المنظور القريب تحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الاستراتيجية من خلال التوزيع العادل للمساحات المنزرعة بما يتناسب مع معدلات الاستهلاك المحلى من تلك المحاصيل الضرورية و الحيوية بالنسبة للمصريين فكلما كان معدل الاستهلاك اعلى من محصول معين كلما زادت نسبة المساحة المخصصة لزراعته من اجمالى الاراضى الزراعية المصرية و ذلك لاشباع احتياجات المواطنين من الغذاء الضرورى بالنسبة لهم بدلا من الاعتماد على سياسية استرادية لتلك المحاصيل التى تجعل ارادتنا السياسية مرهونة بارادة الدول المصدرة لنا مثل تلك السلع الاستراتيجية خاصة عندما يتم استغلال اوقات الازمات لصالح تلك الدول لانه من لا يملك قوت يومه لا يملك حريته و هنا تكون سيادة الدولة منقوصة لان قراراتها الاستراتيجية مرهونة بارادة دول أخرى نتيجة احتياجها الى محاصيل تلك الدول لسد الاحتياجات المحلية من الغذاء و من هنا تقل الوارادات من تلك المحاصيل و تزداد لدينا القدرة الانتاجية على تحقيق فائض من تلك المحاصيل عن طريق التعاون الاستراتيجى بيننا و بين دول حوض النيل و أيضا بيننا وبين السودان الشقيق و يتم إنشاء شركات مشتركة بين رجال اعمال مصريين و أفارقة من أجل تسويق و تصدير ذلك الفائض الى دول اخرى تحتاج الى تلك المحاصيل لتزداد صادرات مصر و دول حوض النيل و أيضا خلق أرضية مشتركة بين الدول و بعضها البعض لاستغلال الموارد المائية لديها بكفاءة و بطريقة عادلة و على الادارة المصرية استخدام أساليب علمية فنية هدفها زيادة انتاجية الفدان وفى نفس الوقت عدم الهدر فى استغلال الموارد المائية و خاصة ان لدينا مشكلة كبيرة هو سوء استخدام و توزيع الموارد المائية لدينا فيجب ان يكون لدينا عدالة توزيع للموارد المائية خاصة اننا نتعرض لتهديد مائى من قبل دول حوض النيل ان لم نرتبط معهم بمشروعات مشتركة تحقق مبدأ المنفعة المتبادلة و المصالح المشتركة و أن يستشعر الجميع بأن مصيرهم مشترك و ان نسعى الى انشاء مجلس لجميع الدول التى ينبع منها و يمر عليها و يصب فيها النيل هدف هذا المجلس هو تحقيق التعاون بين شعوب تلك الدول وبناء جسور الثقة بين الحكومات المختلفة وخلق فرص تنموية لتلك الدول و القيام بانشاء ادارة رشيدة للمياه تعمل على الحد من الاسراف فى المياه و المشكلة ان الحصة المخصصة لمصر من مياه النيل كان يتم توزيعها بطريقة غير عادلة فتوجد اراضى شاسعة للجولف و توجد اعداد ضخمة لحمامات السباحة على الرغم من ان حصتنا محدودة وفى نفس الوقت هناك قرى ونجوع محرومة من توصيل مياه شرب نظيفة كأنه كان لدينا احتكار للموارد المائية لصالحة قلة مترفة كما كان يوجد لدينا احتكار سلطة و عدم تدوالها بصورة عادلة أيضا و من مفاهيم العدالة الهامة عدالة الفرص و لكنها مرحلة متطورة من العدالة وهى ان يحصل كل مواطن على فرصته العادلة من التعليم و الصحة و المياه و العمل وان يتم بناء سوق العمل على الفرص التى تعتمد على الكفاءة و لكن ذلك يحتاج الى تعليم يعتمد على المهارات التى تتناسب مع سوق العمل وفى نفس الوقت ان يؤمن المجتمع بأن التعليم عملية مستمرة لا تنتهى بمجرد الحصول على المؤهل الجامعى و يحتاج المجتمع ايضا ان يستشعر بأهمية التدريب و التطوير فبناء مجتمع المهارات التى يزداد فيها الاجر بناءا على نظام الجدراة يحتاج الى وقت و جهد كبيرين فكلما زادت مهارات الفرد زادت فرصه فى العمل و ايضا زادت شريحة الاجور التى ينتمى اليها ذلك الفرد فأن ذلك يحتاج الى بناء نظام تعليمى قوى و مجتمع يعرف أهمية العلم جيدا و خاصة العلم التطبيقى الذى يؤثر فى حياة الناس مباشرة و لكننا فى تلك المرحلة نحتاج الى نظم اجور تعتمد على عدالة الاحتياج مؤقتا وفقا لاحتياجات الفرد من السلع و الخدمات لبناء حياة كريمة لافتقار فئة عريضة من المجتمع فى تلك المرحلة الى مهارات سوق العمل فعلى الدولة ان تسعى لتلبية احتياجات هؤلاء المواطنين بالاضافة الى تطوير مهاراتهم بطريقة متوازية مع اجور عدالة الاحتياج ثم عندما نطور تلك المهارات ننتقل تدريجيا الى عدالة الفرص وفقا لمهارات الافراد فى المجتمع فكلما زادت تلك المهارات زادت شريحة الاجر العادل التى ينتمى اليها الفرد مع وجود مجلس قومى للاجور يختص بالنواحى الفنية لتحديد الحد الادنى و الحد الاقصى للاجور على المستوى القومى و فى نفس الوقت تحديد اسعار الاجور العادلة فى كافة المهن و المجالات و تحديد الاجور العادلة بالنسبة للعاملة الاجنبية الوافدة و ايضا التخصصات النادرة بطريقة فنية و احترافية تكون الكلمة العليا فى المجلس لخبراء فنيين و علماء متخصصة فى الاقتصاد و الاحصاء و تكون قرارات ذلك المجلس ملزمة للجميع و على الدولة تنفيذ قرارات ذلك المجلس وهناك عدالة تحمل الاعباء من خلال اعادة هيكلة النظام الضريبى بحيث نعود الى تبنى فلسفة نظام الضرائب التصاعدية و اعفاء كافة الطبقات الفقيرة و المهمشة و ذات الدخل المحدود من تحمل الاعباء الضريبية و ان يستشعر المواطن بأن الشركات و رجال الاعمال الكبار يتحملون مسؤوليتهم الاجتماعية اتجاه الطبقات الفقيرة و المحرومة من العيش حياة طبيعية من خلال تحمل اعباء بناء مشروعات خيرية غير هادفة للربح تفيد المجتمع فى مجالات العمل الخيرى المختلفة التى تحتاج الى تضافر و تعاون مؤسسات كثيرة و تحتاج أيضا الى رأس مال وطنى يحمى تلك الطبقات من العوز و الاحتياج و تعمل تلك المؤسسات الوطنية الخيرية على تمكين هؤلاء الضعفاء من تملك زمام امورهم و اعطائهم الحق فى العيش المحترم و اللائق لهم الكلام عن العدالة يطول وليس له حد وليس له نهاية و البداية تأتى من توفر الارادة الحقيقية فى المجتمع لتكون العدالة امرملموس على ارض الواقع يستشعر به المواطن فى كافة تعاملاته فعندما يتقدم احد ابناء مواطن فقير لوظيفة دبلوماسية ليلتحق بها و يحصل عليها نتيجة توفر المهارات و الكفاءة الخاصة و التى تتناسب مع مواصفات تلك الوظيفة و يحصل عليها فعلا و لا يأتيه الرد بأنه غير لائق اجتماعيا فأننا نكون قد حققنا العدالة على ارض مصر الغالية بالفعل و لن يفكر اى مواطن عند تلك اللحظة فى السفر الى الخارج لانه استشعر بأن بلده سوف تمنحه فرصته العادلة التى تمكنه من تحقيق كافة طموحاته التى يحلم بها