لا أكتب اليوم عن على كافشيان باعتباره مواطناً إيرانياً أو حتى رئيس الاتحاد الإيرانى لكرة القدم.. وإنما أكتب عن رجل نجح فى أن يقول «لا».. قالها وهو مقتنع بها وعلى استعداد لأن يحارب ويدفع الثمن من أجل أن يقنع بها العالم، رافضا أن ينكسر فى يوم ويضعف ويستسلم فتتحول ال«لا» إلى «نعم».. وكلمة لا تلك التى قالها كافشيان كانت لأكبر وأقوى وأشهر مؤسسة رياضية فى العالم كله.. الفيفا.. فقد فوجئ رئيس الاتحاد الإيرانى لكرة القدم منذ قرابة الشهر بقرار الفيفا بمنع مشاركة منتخب إيران للكرة النسائية فى الدورة الأوليمبية للشباب فى سنغافورة ليس لأنه منتخب إيران، ولكن لأن كل لاعباته محجبات، والفيفا يرفض أى دلائل للدين أو السياسة فى ملاعب كرة القدم.. وفى نفس الوقت كان رئيسا اتحادى لعبة الخماسى والسباحة فى مصر يتلقيان خطابات مماثلة من الاتحادين الدوليين للعبتين بمنع استخدام المايوه الذى يغطى الجسم كله فى أى بطولة رسمية للسباحة أو فى الجزء الخاص بها فى لعبة الخماسى.. وكان ذلك يعنى إجبار عدد من لاعبات مصر على الابتعاد والاعتزال بمن فيهم بطلات العالم فى الخماسى أو المرشحات لنيل هذا الشرف الرفيع.. وفوجئ محمد الدمرداش تونى، رئيس اتحاد الخماسى، وياسر إدريس، رئيس اتحاد السباحة، بهذه القرارات والسياسات الجديدة.. وتعامل الرجلان بإحساس أنهما أقل من مواجهة الاتحادات الدولية بكل من فيها من خواجات وأجانب.. شعر كل منهما فى قرارة نفسه بأنه لا يملك إلا الخضوع والاستسلام.. لم يبذل الرجلان أو الاتحادان أى محاولة للشرح والتوضيح والرفض والمقاومة، دفاعا عن حق لاعبات مصر المحجبات فى ممارسة الحلم الرياضى، وفى نفس الوقت احترام شعائر الدين وحدوده.. فلم يتلق الاتحاد الدولى للسباحة أو الخماسى أى اعتراض من مصر.. أما على كافشيان.. فقد قرر أن يقول لا.. قالها للفيفا الذى هو الأقوى والأعظم والأكثر شراسة ونفوذا.. لم يقل لا فقط.. وإنما سافر إلى زيوريخ والتقى بكل المسؤولين أكثر من مرة وأرسل أكثر من خطاب ومذكرة وصورة لشرح وتأكيد أن حجاب لاعبات إيران لا يسىء إلى أى أحد آخر وأنه من الظلم منع اللاعبات من اللعب لمجرد أنهن محجبات.. محاولات كثيرة قام بها رجل لا يملك أى نفوذ أو قوة سوى إيمانه واقتناعه بقضيته.. واستجاب مسؤولو الفيفا.. وانتصرت «لا» الإيرانية الصغيرة ووافق «الفيفا» على مشاركة منتخب إيران، بل وألغى قراره السابق بمنع الحجاب فى ملاعب الكرة.. وهى حكاية تستطيع قراءتها بأكثر من مستوى ودلالة.. سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا أيضا.. فهى من ناحية دليل على أن أى أحد يستطيع أن يقول «لا».. وأن العالم لا يحترم الضعفاء الذين يخسرون كل حروبهم مقدما قبل بدء أى مواجهة.. لأنهم أجبن من أن يقولوا «لا» للفيفا أو حتى الاتحاد العربى.. أو لأى أحد أو مؤسسة أو دولة. [email protected]