في مرحلة مبكرة من الحرب في سوريا، ذهب مسؤول عراقى لرؤية قائد حلف شمال الأطلسى «ناتو»، وسأله: «ما الفرق بين ما يحدث في سوريا وليبيا التي أطيح منها معمر القذافى؟»، وكان الرد من قائد الحلف بسيطاً وواضحاً، قائلًا: «لقد عادت روسيا». مقالات متعلقة * ارتفاع ضحايا قصف مستشفى بشمال سوريا ل10 قتلى * الجامعة العربية: لا حل عسكري في سوريا ولا سبيل غير الحوار كانت الولادة الجديدة لروسيا كقوة عظمى واضحة يوم 12 فبراير في ميونخ، عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، ونظيره الروسى سيرجى لافروف، خطة لإيصال المساعدات إلى المدن المحاصرة في سوريا ووقف الأعمال العدائية، ليعقبه وقف إطلاق النار بطريقة أكثر رسمية، وإن كان لهذا دلالة ما، فيعنى أن لدى روسياوالولاياتالمتحدة القدرة على استمرار الأمور أو إيقافها في سوريا ليس فقط بشكل مطلق، بل بصورة أكبر من أي طرف آخر. وتم استقبال هذا الإعلان بالكثير من التشكك من قبل وسائل الإعلام والدبلوماسيين، الذين أشاروا على الفور إلى العديد من الثقوب في الاتفاق والعديد من الأمور التي يمكن أن تكون خاطئة، لكن هذه الشكوك قد تكون مبالغاً فيها نظراً إلى أن التطورات العسكرية والدبلوماسية في سوريا تعزز بعضها البعض. التدخل الروسى يعنى أن الرئيس السورى بشار الأسد لن يخسر الحرب، ومن الصعب معرفة ما يمكن أن تحققه قوى المعارضة بمفردها ضد الجيش السورى، الذي تدعمه روسياوإيران، ويقول «الأسد» إنه سيسعى لتحقيق النصر، لكن من غير المتوقع أن تقبل الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في المنطقة بالهزيمة الكاملة. تورط الروس والإيرانيين بهذا الشكل الكبير في الحرب أمر غير مستغرب، وكان واضحاً منذ 2012 أن روسيا ومحور الشيعة لن يدعا الانقلاب ينجح على «الأسد»، وسيواجهان أي تصعيد من قبل تركيا والسعودية والقوى السنية، وحدث هذا في العام الماضى عندما حقق هجوم من فريق من المتمردين السوريين يقوده تنظيما «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، اللذان لا ينتميان إلى «داعش»، سلسلة من الانتصارات العسكرية في إدلب، شمال سوريا، وأثارت هذه النجاحات التدخل العسكرى الروسى يوم 30 سبتمبر الماضى، الذي قلب الموازين لصالح الجيش السورى، وهذا لا يمكن تغييره دون التدخل المباشر للجيش التركى. لكن حتى هذا قد يكون متأخراً، فقد قطع الجيش السورى الطريق بين حلب وتركيا. واقترب السوريون والروس من عزل شمال سوريا عن تركيا بنوع من الاتفاق الصامت مع الأكراد الذين يتقدمون من الشرق، وهذه هي اللحظات الحاسمة من الحرب، حين دخلت تركيا والسعودية في نقاش جاد حول التدخل فيها. ومن الملامح البارزة للهجوم الروسى- السورى- الإيرانى الاستجابة الخرساء حتى الآن من الولاياتالمتحدة وحلفائها. لم يعد لدى تركيا والسعودية السيطرة السابقة على السياسة الغربية بشأن الموقف في سوريا، بعد أن تبين أن القوات الموالية لهما ليست قادرة على الانتصار وعلى إسقاط «الأسد»، وأدى دخول «داعش» عام 2014 وسيطرته على أجزاء كبيرة من العراقوسوريا إلى اتضاح أن الحرب في سوريا لا يمكن السماح لها بالاستمرار، وكان تدفق اللاجئين على أوروبا وهجمات باريس سببين رئيسيين في عدم قدرة الغرب على احتواء الموقف في سوريا. اتفاق ميونخ شكل خبرا سيئا ل«داعش»، وكانت تتردد أخبار دعائية عن قصف روسيا العناصر المعارضة المعتدلة فقط، الذي قيل إنها تشكل تهديدا كبيرا ل«الأسد»، لكن هذا ليس صحيحا، وفى الواقع، كانت روسيا تقصف كل الجماعات المسلحة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام، وكانت تلك دعاية ملائمة ترددها المعارضة «المعتدلة». وادعاء أن لا الجيش السورى ولا الروس كانوا يقاتلون «داعش» كانت أسطورة مريحة للمعارضة السورية ومؤيديها الخارجيين. وقال وزير الخارجية البريطانى، فيليب هاموند، الذي لايزال يعتقد بضرورة وجود فصيل معتدل قوى: «الروس يقولون إنهم يريدون تدمير (داعش)، لكنهم يقصفون المعارضة المعتدلة ولا يقصفون (داعش)». في الواقع، كان الجيش السورى المدعوم من سلاح الجو الروسى، يواجه «داعش» بوسط سوريا منذ فترة طويلة دون تحقيق نجاح يذكر بشكل عام، ولا يتوقف «داعش» عن نشر مقاطع الفيديو المقززة التي تظهر إطلاق النار على جنود سوريين أو قطع رؤوسهم. لكن ما لا يعلمه «هاموند» هو أن «داعش» أقوى مما يعتقد لأنه يقاتل من منطلق الدفاع عن الخلافة المعلنة، كما يتضح في «العمليات الانتحارية» أو «التفجيرات» التي نفذها في يناير الماضى، وذكر التنظيم على «إنستجرام» أنه نفذ 85 عملية في يناير الماضى. «داعش» الآن بدأ ينهار عند الأطراف، ورغم أنه بعيد كل البعد عن الهزيمة، لكنه أضعف في سوريا عن العراق لأنه ولد من رحم الغزو الأمريكى للعراق في 2003 وقادته في الغالب عراقيون، وفى العراق، يسيطر «داعش» على المعارضة المسلحة السنية والحكومة والأكراد، بينما في سوريا هو مجموعة واحدة فقط من عدة حركات معارضة، رغم أنه الأقوى بوضوح. وكانت قمة نجاحه في 2014 عندما احتل الموصل، بعدما ضرب في أضعف هدف، لكن اليوم لم يعد بإمكانه الفوز بأى انتصارات رخيصة، إذ يواجه 4 أعداء: الجيش العراقى، والجيش السورى، وأكراد العراق، وأكراد سوريا- وجميعهم يتلقون الدعم الجوى القوى سواء من الولاياتالمتحدة أو روسيا اللتين تضاعفان بشكل كبير من قوة نيرانهما. الطريق إلى نهاية الحرب لايزال طويلًا، لكن ترجيح الفائزين والخاسرين أصبح أكثر وضوحاً، ومن الواضح أنه لن يكون هناك تغيير جذرى في الحكم في سوريا، إذ فشلت المعارضة السنية في الفوز بالسلطة في سوريا، كما أنها في موقف دفاعى في العراق. وأصبح الأكراد في البلدين أكثر قوة سياسيا وعسكريا، لأنهم خصوم فعالون ل«داعش»، لكن بمجرد هزيمة التنظيم، سيواجه الأكراد التهميش مجددا، وبات «داعش» أضعف ولايزال يواجه القصف، رغم أنه قد يستمر في القيام بعمليات بشعة في الخارج مثل تدمير الطائرة الروسية في سيناء أو هجمات باريس. القوى الإقليمية مثل السعودية وتركيا وقطر فشلت في الإطاحة بالأسد أو تحقيق أي من أهدافها في سوريا، بينما كانت إيران وحلفاؤها أكثر نجاحا، ورغم توالى الانتقادات لسياسة الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، الحذرة، إلا أنه لم يعان من هزائم حقيقية هناك. عندما دخلت روسيا الحرب السورية منذ 4 أشهر، تنبأ مراقبون بأنها ستندم على دخول الحرب، لكن من الواضح الآن أنها قد أصبحت تملك قرار كيف ستنتهى الحرب ومن يفوز بها. نقلاً عن صحيفة «إندبندنت» البريطانية ترجمة- غادة غالب اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة