تهتم التقارير التكرارية الأممية سنوياً ؛ بقضايا ما يُسَمَّى بالتنمية البشرية ..! تلك الإشكالية اللُّغْز المُسْتَحيلة الممكنة ! فالإنسان الكائن المنظور الأرقى و محور الحضارات و التاريخ و الجغرافيا و العلوم والمعارف و الإستهلاك والإنتاج والتقدم و التصادم والتفاهم و التنمية و المستقبل .. إلخ، والتكليف والتكريم الإلهي تعيد تقارير الأممالمتحدة إنتاجه بتقزيم مُخِلّ بدلاً من الإحتفاء التكريمي اللائق به ! بتفكير إطاريّ مرجعيّ غير مُدَوَّن - لكنه حاضر بقوَّة في كل حروف التقارير السنوية والتصريحات التكرارية المُمِلَّة – مفاده : أن العالم علي ضفتيّ تمييز بلا مفرّ : - أولهما الصنف الإنساني المُعَاصر الأرقى والذي تستقي من شرعيته التقارير الأممية والدولية حول العالم مدادها و صوتها الهادِر ! ؛ وتمثله دول القمة التي تشكل مجلس إدارة العالم المُصَغَّر والمتلخّص في مجموعة الدول الثماني الكِبَار (G 8) ؛ و في نسخته التجميلية الأكبر مجموعة العشرين أو (G 20) ؛ وهي دول الدرجة الأولي ؛ أو إدارة المصالح والنفوذ بالتبادل والمشاركة والتضامن حول العالم والتي ينقصها أن تتسَمَّي بجوارها المنظمات الدولية ذات الصوت الأعلي عالمياً - كالأممالمتحدة ومجلس الأمن وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية .. إلخ، من مئات الهيئات و المنظمات - و كأنها معها بمثابة دول تحالف بل شريك فاعل متضامن ؛ أمين في تنفيذ كل مرادات المجموعة الأولي ؛ كأقدار حتمية علي دول المجموعة الثانية ؛ بل و بعقوبات رادعة إن هي رفضت ذلك القضاء و القدر الدوليّ المحتوم بأمر الكبار ! - و الثانية هي مجموعة دول العالم علي امتداد الكرة الأرضية و التي تمثلها أكثر من مائتي دولة ذات سيادة و إرادة وحلم قومي ؛ ولكن لا تراها جيداً دول المجموعة الأولي ولا المنظمات الدولية كذلك ؛ إلا كما رسمت هي لها من قبل الهيئة التي تراها عليها ؛ في ضوء دور واحد وحيد لا يجب أن تدور خارج فلكه السَّيَّار ؛ ما بقيت الأولي و ما قبلت الثانية طوعاً أو قهراً ! و كانت موضات التقارير الأممية والدولية بالألاف سنويا ؛ و التي تلهث دول المجموعة الثانية وراءها لتحصل لنفسها بها علي ترتيب ؛ تستطيع به أن تواجه شعوبها الناهبة لثرواتهم والمُصَادِرَة لأحلامهم و المانعَة لأي مستقبل لهم ؛ يمكنهم – حتي – رؤيته مناماً بكوابيسهم ! فترتيب الدول بتلك التقارير هو مزيج من ؛ مكافآت دولية من دول المجموعة الأولي ومن خلال أياديها الفاعلة أو المنظمات مُصْدَرة التقارير ؛ لتلك الدول التي أثبتت أنظمتها أنها من الشُّطَّار الذين ينفذون بعمَي كل ما يلقي إليهم من توجيهات و تعليمات و أوامر هاتفية ؛ ساهمت بلا شك في تجريف مستقبل تلك الدول وثروات الماضي و الحاضر و المستقبل ؛ و التي تحوَّلت إلي ما يُشْبه " الدول تحت التصفية " .. أو التي أوشكت علي التلاشي من كل خرائط العالم ! أو كعقوبات و تجريس دوليّ لتلك التي ؛ يُنْتَظَر منها الأفضل و يجب حثها علي بذل الأفضل و الأسرع بلا تلكؤ .. من خلال التحفيز السلبي ! أو للدول التي يتم إبتزازها علي الملأ الدولي ؛ حتي تنضم لفئة رعيَّة دول المجموعة الأولي ؛ و أظافرها من المنظمات الأممية والدولية ! أو لتلك الدول المارقة أو المنتمية لمُثَلّث الشَّر ؛ والتي قد قرر أهل النخبة من المجموعة الأولي إذلاهم دولياً ! تكتب المجموعة الأولي التقارير ؛ و تضع بها أنفسها علي خطوط تلامس بها دول مجتمعات الملائكة والفضيلة الأسطورية ! بينما أن هدف التقارير هو صياغة دفتر أحوال مُزَوَّر عن المجموعة الثانية و لكثير من الأغراض التي أوجزنا في ذكر بعضٍ من أنماطها .. و قد كان من بعض أْنْصِبَة الكائن الأرقي الإنسان من مطابع دفاترهم ؛ دفتر أحوال بائس بمُسَمَّي تقرير الأممالمتحدة للتنمية البشرية .. والذي يصدر دورياً كل عام وبإنتظام لا يفتُر ! و المنبني علي عناصر تقييم للإنماء الإنساني بتلك الدول ؛ تصلح تماماً للتطبيق علي أي كائن آخر حيواني مثلاً ؛ و بما يفقد هذه التقارير و كل أخواتها و شبيهاتها – كذلك – كل أشكال و لُغَات المصداقية و قواميس الواقع ! فعناصر إختبار ما تم وما يتم وما سيتم من التنمية البشرية ؛ هي : " الدخل " و " الصحة " و " التعليم " ..! نعم .. هي كذلك .. بل و يمكنك إن اقتنيت لأي غرض مثلاً أحد الكلاب ؛ أن تخصص له رقماً من " الدخل " للإنفاق عليه ؛ و علي العناية " الصحية " به ؛ و كذلك من أجل تدريبه علي ماتود " تعليمه " إياه ! هي نفس المعايير التي تطبقها الأممالمتحدة و دول الدرجة الأولي ؛ علي مواطنيينا ؛ فالدخل طبقاً للبنك الدولي : حوالي 1.25 $ يومياً بأسعار العام 2005 ؛ أي بما يوازي 2 $ بأسعار اليوم = 12 جنيه مصري ؛ و في ظل معدل إعالة متوسط 3:1 ؛ يكون لكل من العائل صاحب الدخل اليومي المذكور و كل فرد من أفراد أسرته ؛ ما يقارب 3 جنيات يومياً = 90 جنيه شهرياً / فرد ؛ لتغطية " الغذاء " بمعل 3 وجبات يومية + " الصحة " + " التعليم " + " الإنتقالات " + " السكن " + " الملبس " + .... إلخ من كل لوازم و متطلبات الحياة !!! و لا رفاهية بتلك التقارير - التي تعكس فكر مُنَظّريها – لحقوق الإنسان في الأمن و عدم الملاحقة أو الإعتقال بسبب الرأي ؛ بل لا وجود لأيٍّ من أساسيات الحياة علي تنوعها ! إذ يكفي جداً .. أن تتحدث تلك التقارير عن التعليم الأساسي – الإبتدائي – و عدم التسرب منه ! في ضوء الدخل الذي رأينا ؛ و الصحة التي ستنتج عن مثل هذه الأوضاع المزرية و المُشينة ؛ لمن يتشدق بها في قاعات أممية مكيفة بأكبر عواصم العالم ؛ وفقط لتكريس الفقر بهذه الدول و المجتمعات و بقائها في حالة عبودية لِلُقْمَة العيش و بدائيات احتياجات الحياة ! وحتي لا تقع تلك الممارسات ضد الإنسانية بتصنيف جرائميّ ؛ يديرها العالم الأغني المُتَحَضِّر بمُسَمَّى إنمائيات أممية ؛ تَزُود و تدافع عن حقوق المقهورين في ربوع الكرة الأرضية ! هذا هو خلاصة جوهر تقارير التنمية البشرية الأممية ؛ التي تعتمد حكوماتنا و أنظمتنا عليها ؛ مالئة الدنيا صراخاً بقبيح أصواتها و كذبها .. إحتفالاً مثلاً ؛ بإنتقال إحداها علي سلم ترتيب التقرير من المركز العشرين بعد المائة – للعام الماضي - إلي التاسع عشر بعد نفس المائة لهذا العام .. إستناداً لذات معايير التدْنية البشرية ! و تَرُوج بأروقتنا العربية مصطلحات التنمية البشرية ؛ و ندواتها ودوراتها التدريبية الإبتزازية لدماء خلق الله ؛ و كذلك أسماء مَنْ يطلقون عليهم رُوَّاد التنمية البشرية ؛ وما رأينا أحدهم قد أفلح بنفسه أو بمتدربيه في تغيير شئ ؛ اللهمّ سوي في تخريج تلامذةً جُدُد لمساعدته علي إستكمال طاقم أسطوله الإبتزازيّ بإسم التنمية البشرية الموعودة ! إن الإنسان هو الثروة غير الناضبة الوحيدة ؛ بكل معادلات الإعمار و البقاء و الإستمرار و التنمية و الإنتقال إلي المستقبل ؛ بالتزامن مع نضوب كل الموارد الطبيعية التقليدية لا محالة ! فإن كانت مجتمعات ثراء الموارد : تتمتع بفقر تنمويّ إنساني مُدْقِع ؛ بمختلف معايير التنمية البشرية الحقيقية ؛ فممَّ ستُنْفق بعد نضوب مواردها الطبيعية قريباً جداً ؛ وهي المُعتمدة علي هياكل تنمية كرتونية مُشوَّهَة ؟! فما بالنا بالمجتمعات الأقل دخلاً و الأفقر في مواردها ؛ و التي ينخر أساسها الفساد بكل أنواعه ؟! و تتجمَّل كذباً بلا موارد مادية طبيعية ولا إنسانية ! بل أطاح فسادها بما كان للمجتمع ؛ و حوَّله لملكيات خاصة للنُّخْبَةالحاكمة وأهل حظوتها ! بل أذكر أني حين مناقشة تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة للعام 2010 بقناة الجزيرة ؛ وحين تعجَّب المذيع المحاور من بعض إجاباتي غير المُنْصِفة – من منظوره - للدول التي تقدَّم ترتيبها هذا العام بالتقرير ! سألته السؤال التالي ( و لم يُحْذَف من الحوار ) : إذا كانت دولة كمصر تنفق في عام واحد علي تدريب كلاب مكافحة الشَّغَب ما مقداره 850 مليون جنيه للتدريب بدولة أوربية ؛ بخلاف طعامهم و سكنهم و مدربيهم المصريين و أجورهم و الرعاية البيطرية و أجور الأطباء .... إلخ ؛ و تترك أكثر من 15 مليون مواطناً لا يجدون قوت اليوم ؛ وحوالي 10 مليون مواطن يقطنون المقابر مع الأموات ؛ وتعلم بوجود حوالي 7 مليون مواطن مَعيشيّ ؛ أي 7 مليون مواطن لم يروا النقود منذ سنوات بعيدة ! ؛ و حيث أن المواطن المعيشى هو الذي يعمل – و ينتشر بقطاع الزراعة – بلا أجر نقدي .. بل فقط من أجل وجبة أو وجبتي طعام يومياً ؛ و أكثر من 40 مليون مواطن تحت خطوط الإنسانية والكرامة المُسَمَّاة دولياً بخطوط الفقر !!! سألته ألازلت تتعجب ؟! قال : لا .. ! ................................ نعم .. إنها إدارة تكريس الفقر بالمجتمعات من خلال مايُسَمَّى ب" إدارة التدْنية البشرية" ؛ وإهدار الإنسان المورد الوحيد غير الناضب والثروة الحقيقية ثروة ما فوق كل أنواع التقييم .. !