تحدثنا فى المقالة السابقة عن كل من الخليفة «عُمر بن عبدالعزيز» و«يزيد بن عبدالملك»، و«هشام بن عبدالملك»؛ وعن حكام «مِصر» فى ذٰلك الزمان: «عبدالملك بن رفاعة القينىّ»، و«أسامة بن زيد التنّوخىّ» العامل على خَراجها (جمع ضرائبها)، و«أيوب بن شُرَحْبِيل»، و«حَنظلة بن صفوان»، و«مُحمد بن عبدالملك بن مروان». مقالات متعلقة * احلب «الدَّر.. الدم» واليوم، نستكمل حديثنا عن حكام «مِصر»: «الحُرّ بن يوسُف»، والعامل على الخَراج «عبيدالله بن الحَبْحاب»، و«حَفْص بن الوليد»، و«عبدالملك بن رفاعة» وأخيه «الوليد بن رفاعة»، و«عبدالرحمٰن بن خالد»، و«حَنظلة بن صفوان». «الحُرٌ بن يوسُف» (105-106ه/724-725م) تولّى حكم «مِصر» من قِبل الخليفة «هشام بن عبدالملك»، وكان «عبيدالله بن الحَبْحاب» وقتئذ متولياً على خَراجها. وقد ذكر المؤرخ المِصرىّ «ابن تغرى بردى»: ««الحُرّ بن يوسُف» تولّى حكم «مِصر» فى أواخر عام 105ه/724م، وحَكمها حتى عام 108ه/727م.». إلا أنه قضّى زمناً عند الخليفة، وترك «حَفْص بن الوليد» على حكم «مِصر» بدلاً منه، ثم عاد فى 107ه/726م وحكمها مدة عام حتى 108ه/727م، عندما طلب إلى الخليفة إعفاءه من منصبه فقبِل الخليقة وولّى «حفص بن الوليد» بدلاً عنه، وقال بن تغرى واصفاً إياه بأنه: «كان أجَلّ أمراء بنى أمية شجاعةً وكرماً وسُؤْدَُدًا (مجدًا وشرفاً)». لٰكن زمن حكمه فى «مِصر» امتلأ بقلق المِصريِّين وثورتهم بسبب الظلم الشديد الذى أوقعه «عبيدالله بن الحَبْحاب» المعيَّن على أمر الخَراج آنذاك، إذ قد اهتم بجمع المال فقط. فقد كتب إلى الخليفة يقول إن أرض «مِصر» تحتمل زيادة الضرائب عليها؛ فزاد قيمة الضرائب بأن وضع قيراطاً على كل دينار، فانتفض المِصريُّون من أجل ظلمه وتعسفه، إلا أنه أرسل إلى «مِصر» الجنود الذين حاربوا وقتلوا كثيرين من أهلها. «عُبيدالله بن الحَبْحاب» (105-114ه/725-732م) ولاه الخليفة «هشام بن عبدالملك» عاملاً على أمر خَراج فى «مِصر»، وقد أوصاه خيرًا بقِبطها، لٰكنه لم ينفذ أوامره وأوقع الظلم بهم. وقد أمر بوسم جميع القِبط على أياديهم بصورة الأسد، وقطْع يد كل من لا ينفذ أمره. وحينما جاء تنفيذ أمر هٰذا الوسم على البابا «ألكسندروس»، امتنع قداسته وأصر على مقابلة «عُبيد»؛ وحين دخل للقائه، طلب إليه أن يُعفيه من الوسم، لٰكن «عُبيد» رفض طلبه؛ فطلب البابا أن يُمهله، وخرج مصلياً إلى الله، واستجاب الله بأن توفاه، وهٰكذا تنيح قبل أن يُنفَّذ فيه أمر ذٰلك الوسم، ليَخلُفه البابا البطريرك «قُزمان الأول». وقد ألقى «عبيدالله بن الحَبْحاب» القبض على أسقف أوسيم «أنبا صموئيل»، وطالبه بدفع غرامة مالية قدرها ألف دينار، فى حين أن هذا الأب الأسقف يكاد لا يجد ما يقتات به فى يومه، فقد عاش زاهدًا لا يقتنى لنفسه شيئاً، ولم يكُن له سوى ثوب واحد. وكان «أنبا صموئيل» مع البابا «ألكسندروس» وقت أن دعاه «عُبيدالله بن الحَبْحاب»؛ وبعد نياحة البابا البطريرك، ألقى «عُبيد» القبض على هٰذا الأب وطلب منه أن يدفع ألف دينار عوضاً عن البطريرك. ولفقر «أنبا صموئيل» الشديد، اعتذر عن عدم قدرته على دفع المبلغ؛ فلم يقبل منه، وسلّمه إلى التعذيب. فأخذ الجُنود الأب الأسقف وصاروا يعذبونه بجذبه وجره فى شوارع «مِصر» حتى أتَوا به إلى باب كنيسة على اسم «مار جرجس»، ثم نزعوا عنه ثوبه وألبسوه مِسحاً (كِساءً من شعر)، وعلّقوه من ذراعيه وهو عُريان، وأخذوا فى ضربه بسياط من جُلود البقر حتى جرى دمه على الأرض!!! واستمر تعذيب «أنبا صموئيل» أسبوعاً، وكبار الموظفين يتوسطون له عند الأمير بأن لا يد له فى رحيل البطريرك، فأطلق سراحه بعد مدة تنيح فى إثرها متأثراً بجراحاته. إلا أن الحقائق التاريخية أجمعت على شدة الظلم الذى اقترفه «عُبيدالله بن الحَبْحاب» الذى نال من المِصريِّين جميعاً، لا الأقباط فقط، حتى إن بعض المسلمين قد تقدموا بشكواهم إلى الخليفة «هشام بن عبدالملك»، فعزل «عُبيد» وولّى مكانه ابنه «القاسم» الذى كان أشد قسوة من أبيه!! «حَفْص بن الوليد» (108ه/727م) وُلَّىَ حكم «مِصر» بعد «الحُرّ بن يوسُف» من دون رغبة منه، الذى لم تدُم وِلايته طويلاً فقد كانت 40 يوماً فقط. وقد كان السبب فى ذلك أن «عُبيدالله بن الحَبْحاب»، الذى كان مقرباً من الخليفة، قد شكاه فعزله «هشام بن عبدالملك» وولى على «مِصر» «عبدالملك بن رفاعة». «عبدالملك بن رفاعة» (109ه/727م) كانت تلك هى المدة الثانية التى تولى فيها «عبدالملك بن رفاعة» حكم «مِصر»؛ وقد تولى الحكم فى الوقت الذى لايزال «عُبيدالله بن الحَبْحاب» على أمر خراجها. ولم تَطُل مدة ولايته الثانية إذ توفاه الله بعد خَمْس عشْرة ليلة بسبب مرضه الشديد؛ ويذكر عنه «ابن تغرى بردى»: «فلما دخل «عبدالملك» إلى «مِصر»، لم يُطِق الصلاة بالناس لشدة مرضه؛ فاستمر أخوه «الوليد بن رفاعة» يصلى بالناس و«عبدالملك» ملازم الفراش إلى أن تُوُفِّى نصف المحرم من السنة المذكورة (السنة التاسعة بعد المئة)؛ فكانت ولايته هٰذه الثانية على مِصر خَمْس عشْرة ليلة...». ثم وُلِّى من بعده أخوه «الوليد بن رفاعة» وِلاية «مِصر». «الوليد بن رفاعة» (109-117ه/727-735م) وُلِّىَ حكم «مِصر» بعد موت أخيه «عبدالملك»، وأقره الخليفة «هشام بن عبدالملك» على حكمها. طالت مدة حكمه إلى ما يقرب من تِسع سنوات ونصف السنة. وفى أثناء ولايته، عام 114ه/732م، خرج «عُبيدالله بن الحَبْحاب» من «مِصر» وولاه الخليفة «هشام» على «أفريقية» (المغرب)؛ فأصبح «الوليد» هو حاكم «مِصر» فى أمر صلاتها وجمع خَراجها، وهٰكذا استقرت له الأمور، وقد أحبته الرعية. وقد وافق «الوليد» الأقباط على بناء كَنيسة فى «الحمراء». فيذكر «الكِنْدىّ»: وذٰلك أن «الوليد بن رفاعة» أذِن للنصارى فى ابتناء كنيسة ب«الحمراء»، تُعرف اليوم ب«أبى مينا»»، وهى بين «القاهرة» و«مصر القديمة». وفى ولايته أيضاً، نُقلت قبيلة «قيس» إلى «مصر». مرِض «الوليد بن رفاعة» ولزِم الفراش، وأسند إدارة البلاد إلى «عبدالرحمٰن بن خالد»، الذى صار حاكماً للبلاد بعد وفاته عام 117ه/735م. «عبدالرحمن بن خالد» (117-118ه/735-736م) وُلِّى «مِصر» فى أيام الخليفة «هشام بن عبدالملك» بعد أن أقره على حكمها، بعد وفاة «الوليد بن رفاعة». وما هى إلا سبعة أشهر تقريباً، إلا وكان الخليفة يعزله ويولِّى «حنظلة بن صفوان» بدلاً منه، وذٰلك بعد أن قدِم الروم إلى شواطئ «مِصر» ونزلوا وأسروا عددًا كبيراً من أهلها. إلا أن بعضاً من المؤرخين ذكر أن سبب عزله يعود إلى مراسلة «بنى العباس» إياه سرًّا فوعدهم، وحين بلغ هٰذا الأمر الخليفة أسرع بعزله عن حكم «مِصر». «حنظلة بن صفوان» (119-124ه/737-741م) كان والياً ظالماً بالرغم من توجيهات الخليفة إليه بمعاملة المِصريِّين بالرفق والعدل. وقد شدد على الضرائب، وكذٰلك لم تَسلَم الحيوانات منه ففرض ضرائب عليها! وقد ذكر «المقريزىّ» أن «حنظلة»، حين تولى حكم «مِصر» المرة الثانية، تشدد على القِبط وزاد قيمة الضرائب المفروضة عليهم، وأحصى الناس والبهائم، فقال: «وجعل على كل نصرانىّ وسماً، وتتبَّعهم: فمن وجده بغير وسْم قطع يده». وكانت هٰذه السياسة هى السبب فى ثورة الأقباط عليه، فحاربهم. وقد ذُكر أن المِصريِّين جميعاً نالوا شدائد من ظلمه؛ فرفعوا شكواهم إلى الخليفة الذى عزله وولّى مكانه «حَفْص بن الوليد» مرة ثانية. و... وعن مصر الحلوة الحديث لا ينتهى...! *الأسقف العام رئيس المركز الثقافىّ القبطىّ الاُرثوذكسىّ اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة