«ذهاب وعودة»: دراما مسلية «مكررة» أخرجت الجهاز الأمني من حيز الواقع (تحليل)

على إيقاع البيانو الهادئ، المتبوع بآهات من أعماق القلب لصابر الرباعي تبدأ الرحلة بأحد أفضل تترات مسلسلات رمضان 2015. أغنية «بنتخلق» هي عنوان لمسلسل ربما لم يأخذ حقه ضمن العشرات من المسلسلات المعروضة، «ذهاب وعودة»، الذي يقوم ببطولته النجم أحمد السقا ومجدي كامل وإنجي المقدم وفريال يوسف وياسر جلال وآخرون.
«ذهاب وعودة» مسلسل مبني على عامل التشويق، ابتعد فيه «السقا»، حتى الآن، عن أجواء الأكشن والحركة التي اعتدناها منه، تدور أحداثه تلخيصًا عن صاحب شركة على خلاف مع عدة أشخاص، يتم اختطاف ابنه من أحد المولات، ليبدأ رحلة البحث عن الولد المخطوف، ويراجع ماضيه ويتنقل من مشتبه به إلى آخر، حتى يكتشف أن ابنه وقع ضحية منظمة عالمية لتجارة الأعضاء.
المسلسل في البداية كان قريبًا جدًا في قصته من مسلسل «آوان الورد»، الذي عرض قبل 15 عامًا، والذي حكى بدوره قصة اختطاف ابن ضابط الشرطة، هشام عبدالحميد، ويسرا، ما يجعل والده يراجع ماضيه ويتنقل بدوره من مشتبه به إلى آخر، مع ظهور دلالات عن تورط كل مشتبه به في القضية، إلى أن يثبت العكس. كل هذا والمشاهد يتنقل بأحاسيسه بين هذا وذاك محاولًا بفراسة اكتشاف الخاطف.
نفس الفكرة تقريبًا لعب عليها صانعو مسلسل «ذهاب وعودة»، بمع بداية اختطاف الطفل «ياسين»، يشتبه الأب في شريكهم السابق في الشركة «طارق»، الذي أدخلوه السجن لتجارته في المخدرات وخرج لينتقم منهم، لكن التهمة سرعان ما تنتفي من على «طارق»، ليدخل حيز الشك أخوين فلسطينيين كانا على خلاف مع «السقا» و«كامل»، وتم الحكم على أحدهم بالحبس نتيجة عدم دفعه لمبلغ مستحق لشركة «السقا»، لكن التهمة تنتفي من عليهما كذلك بعد ذلك، ويدخل مكانهما في دائرة الاتهام الخادمة «فاطمة»، التي كانت تصاحب ياسين وقت اختطافه، وأخيها، وبالفعل يتم القبض عليهم لكن يكتشف «السقا» أنهما كانا يسرقان ذهب زوجته فقط ولم يكن لهما علاقة بخطف نجله، إلى أن نصل إلى النقطة التي تدور حولها الأحداث حاليًا في المسلسل وهي اكتشاف أن الاختطاف تم بواسطة منظمة تجارة أعضاء دولية.
ربما القصة نفسها ليست فكرة جديدة بشكل كبير، لكن ما كان يشفع لها في البداية كان سرعة الإيقاع، فكانت الحلقات شيقة وسريعة الأحداث، تجذب المشاهد للمتابعة ويبقى ينتظر الحلقة التالية بفارغ الصبر. ذلك الإيقاع هبط مع مرور الحلقات، وأصبحت الحلقات أكثر مللًا من ذي قبل، وبدا يظهر عامل المط والإطالة في الحلقات، وأصبحت المشاهد مكررة، وبدا أن المسلسل كان يمكن أن ينتهي في 15 حلقة الأكثر إلا أن هذا العهد تقريبًا انتهى منذ زمن، وأصبح واجبًا على المشاهد أن يتفرج على المسلسل 30 حلقة على الأقل سواء بأحداث أو بغير أحداث.
المسلسل، الذي في مجمله جيدًا، يحاول الآن إنعاش قصته ببعض التلميحات التي ربما توجه أصابع اتهام ل«خالد» نفسه، بعد أن قام بتهريب دولارات إلى لبنان بحجة احتياجه إليها في البحث عن ابنه في قبرص، ثم تعرضت زوجته لحادث بشكل مفاجئ في اليوم التالي لسفره إلى لبنان، ليعود إلى مصر ويطمأن عليها، ثم يعاود السفر إلى لبنان ويهرب دولارات جديدة، فهل استغل «السقا» حادثة ابنه لتهريب الدولارات أم بالفعل أخذها لحاجته إليها؟ كذلك هل تعرضت زوجته وزوجة شريكه وصديقتهما لحادث وعودته محض صدفة؟ هل ل«خالد» نفسه يد في كل ما يحدث؟ ربما هي أسئلة مطروحة قد تزيد من إثارة المسلسل، وستجيب الحلقات القادمة عليها.
نقطة آخرى تلفت النظر بشدة في مسلسل «ذهاب وعودة» وهي عدم الواقعية الشديدة، فهو يصور الجهاز الأمني الذي يمثله الفنان ياسر جلال، كما لو أنه تفرغ تمامًا للبحث فقط عن طفل مفقود، كذلك فكرة اهتمام الجهاز الأمني باستعادة طفل مخطوف من قبرص وتنشيط عميل تحديدًا لهذه المهمة وسفر ضابط إلى قبرص ثم عودته في نفس اليوم، كلها صورة غير منطقية لسبب واحد وحيد، وهو أن هناك آلاف الأطفال المختفيين داخل مصر ولم تبحث عنهم الشرطة المصرية أو تجدهم، بل هناك ضباطًا تم اختطافهم منذ سنوات من أماكن حدودية ولم يتم العثور عليهم حتى اللحظة، فمن غير المنطقي أن تقوم الشرطة أو أي جهة سيادية بعملية بتلك الخطورة لتحرير طفل مختطف في قبرص.
أما أحد المشاهد الآخرى غير المنطقية أيضًا هي مشهد ضابط الشرطة، الذي يقوم بدوره الفنان طارق الإبياري، في إحدى الحلقات وهو يقول للفتاة معه في السيارة: «البسي الحزام عشان مناخدش مخالفة»، وهو أيضًا مشهد أبعد ما يكون عن الواقع، الذي نرى فيه عدد لا بأس به من ضباط الشرطة يسيرون دون أرقام سيارات من الأساس، وما يبدو هنا هو فقط محاولة ليست بجديدة على الأعمال الفنية للفنان أحمد السقا لتجميل صورة وزارة الداخلية، لكن ربما خان الكاتب المنطق هذه المرة.
في المجمل، المسلسل يعتبر من الدراما المسلية التي لن يتضرر المشاهد إذا ما استثمر نصف ساعة من وقته في متابعتها، ربما يؤخذ فقط على «السقا» مبالغته في التمثيل في بعض الأحيان، فيما يبرز بشدة أداء الفنان مجدي كامل، الذي ربما يعتبر أفضل الممثلين في المسلسل، رغم أن دوره ليس بمساحة «السقا».