على الرغم من بشاعة ما جرى فى محافظة قنا نهاية الأسبوع الماضى، حين قامت مجموعة من المتطرفين بقطع أذن مواطن مصرى لأنه أجَّر شقته لفتاة قيل إنها سيئة السمعة- فإن الكارثة لا تكمن فقط فى بشاعة الحادث، إنما فى طريقة معالجته ودلالته السياسية والمستقبلية. فالحادث يمثل جريمة نكراء تدق ناقوس الخطر أمام طريقة متعصبة وجاهلة فى التعبير عن الدين، يحاول البعض أن يغمض عينه عنها أو يقلل من شأنها تحت حجج كثيرة واهية، وهى أمور- إذا استمرت- قادرة على إجهاض الثورة وإعادتنا لنقطة قد تكون أسوأ مما كنا عليه. إن هذه الجريمة رغم مظهرها الجنائى فإنها تحمل أيضا بعض المضامين الطائفية، لأن المجنى عليه مواطن مصرى مسيحى، والجانى ينتمى إلى الجماعات الدينية المتطرفة التى بدأت تحاصر المجال العام بفتاوى شبه تكفيرية لمن قالوا «لا» فى الاستفتاء، وهو نذير مقلق، لأنها اعتبرت «نعم للدين» فى قضية غير حاضر فيها الدين، فماذا نتوقع أن يقولوا فى قضايا سيحضر فيها الدين مثل المادة الثانية من الدستور وقضايا المواطنة وحقوق الأقباط والشيعة والبهائيين والعلمانيين وغيرهم. إن هذا الفكر المتعصب امتد بصورة مختلفة حتى وصل إلى جريمة قطع الأذن، صحيح أنه حادث له بعد أخلاقى فى مجتمع الصعيد المحافظ، وبالتالى لا يمكن فصله عن سياقه الاجتماعى، وهو أيضا حادث فردى لا يجب تعميمه، لكن ماذا سيكون رد الفعل إذا كان المواطن المسيحى هو المخطئ، وهو الذى اعتدى على آخر مسلم، فهل سننتظر حتى تقوم هذه الجماعات بقطع الرقاب؟ يجب ألا يستمر كثير من الإسلاميين فى التواطؤ مع هذه الظواهر، تحت حجة أنه لا يجب إخافة الناس، نعم لا يجب إخافتهم وإبقاؤهم إلى الأبد فى ظل فزاعات جمهورية مبارك، ولكننا يجب ألا نقف مكتوفى الأيدى أمام نوعية من الجرائم ارتدت ثوباً دينياً، ولايزال البعض يعتبرها أموراً بسيطة وهامشية. إن الخطورة فى اللحظة الحالية ليست فى وجود بعض المتطرفين، إنما فى عجز الدولة عن محاسبتهم، وهى أمور لا تبررها حساسية الفترة الانتقالية وصعوبتها، إنما غياب الإرادة والخيال وكأننا مازلنا نعيش فى عهد مبارك. فالمواطن الذى قُطعت أذنه جلس شقيقه (لا أعرف إذا كان مضطرا أم لا) مع ممثلين عن الجناة فى جلسة صلح وهمية حضرها نائب الحاكم العسكرى فى محافظة قنا، فى مشهد يؤكد أننا لم نغادر الوضع القديم خطوة واحدة، فبدلاً من حضور المحافظ وأمن الدولة حضر ممثل عن الجيش، وبقينا «محلك سر». إن ما جرى فى قنا لم يكن مجرد اعتداء طائفى على مواطن مسيحى، إنما هو جريمة مركبة نصَّب فيها البعض أنفسهم كأوصياء على المجتمع، وحلوا مكان الدولة لعقاب من يرونه مخطئاً. إن هذا الخروج على أبسط القواعد القانونية، وبكل ما يعنيه من دلالات مقلقة، يجعلنا نتمسك بضرورة إجراء انتخابات الرئاسة والبرلمان قبل نهاية العام ومواجهة فراغ السلطة الحالى، ومواجهة الخارجين على القانون من كل لون وليس المتظاهرين المسالمين. [email protected]