لا يؤيد التعديلات الدستورية التى يتم الاستفتاء عليها غداً سوى الحزب الوطنى الذى أسقطت الثورة نظامه السياسى، والإخوان المسلمون الذين اشتركوا معه فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، اللذين قام الجيش بحلهما بعد الثورة بسبب التزوير. أمس الأول، قال محمد سليم العوا فى حواره المنشور فى «المصرى اليوم» إن رفض التعديلات يعنى كما جاء فى عنوان الحوار «الدخول من جديد فى نفق الديكتاتورية». وقد كنت أهتم بآرائه كمثقف وطنى بارز ولو كان من الإخوان أو تيار الإسلام السياسى، فلست مع قمع أى تيار حتى الذى يسعى لقمع كل التيارات، ولكنى لم أعد أقرأ ما ينشره منذ أن قال فى قناة «الجزيرة» إن «الكنائس فى مصر مكدسة بالأسلحة»، ولم يعتذر عن هذا القول حتى الآن. عنوان الحوار عن الديكتاتورية مذهل، لأن التعديلات الدستورية لم تمس الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية، والتى تصنع الديكتاتورية، وهذا الدستور المعطل الذى سيعود من جديد بكل مواده إذا وافق الشعب على تعديل بعضها هو دستور الديكتاتورية بامتياز، ولا يختلف على ذلك سوى أعداء الحرية، وأعتاهم من يتحدثون باسم الدين فى السياسة، أيا كان الدين الذى يتحدثون باسمه. وقد كان تصريح العوا رداً على تصريح الأنبا بيشوى عن المسلمين المصريين الذين يستضيفهم الأقباط فى مصر، والعوا وبيشوى وجهان لعملة واحدة فى هذين التصريحين، فكلاهما يؤجج فتنة من شأنها حرق الوطن. وأمس الأول، أيضاً نشر فهمى هويدى، الذى ينتمى إلى الإسلام السياسى بدوره، فى عموده اليومى بجريدة «الشروق»، أن رفض التعديلات يخدم أمريكا وإسرائيل، و«قد» يكون لغير الله والوطن، ولا فرق عنده بين أمريكا وإسرائيل، ومما يبرهن على ذلك فى رأيه الدعم المالى الذى قدمته وزيرة الخارجية الأمريكية لدعم التحرك الديمقراطى فى مصر، ولم يشر إلى رفض شباب الثورة اللقاء مع الوزيرة الأمريكية، ورفضهم التعديلات فى الوقت نفسه. وقال هويدى إن تمديد الفترة الانتقالية يطيل أمد «الفراغ الدستورى» وربما «يغرى» الجيش بالاستمرار فى الحكم، ويخفف من هدير الثورة. وتساءل: كيف يرفض الجيش السلطة، وتأتى قوى مدنية تطالبه بالاستمرار فيها فترة أطول؟! ولكن أحداً لم يطالب بتطويل أمد الفراغ الدستورى، أو أمد حكم الجيش، وإنما طالبت الثورة بدستور جديد لنظام جديد قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وليس من المهم متى، حتى لا تعيد التعديلات إنتاج النظام القديم نفسه. أما عن أمريكا وإسرائيل، وعندى أن اعتبارهما شيئاً واحداً ليس صحيحاً ويقوى من إسرائيل، فالثورة لم تهتف ضد أى منهما، مجتمعين أو منفردين، ولم تطالب سوى بالحرية، على أساس أن مصر الحرة يمكنها أن تواجه أى عدو، وتتعامل بندية مع أى صديق. وأما الله والوطن فالدين لله والوطن للجميع، لمن يرفض التعديلات، ومن يوافق عليها، ولا أحد يملك الحق الأخلاقى، فضلاً عن الحق الدستورى، فى الادعاء بأنه يملك وحده مقاييس خدمة الله والوطن. ولكن هكذا من يتحدثون باسم الدين فى السياسة دائماً، فأنت تستطيع مناقشة من يتحدث معك باسم أى تيار بسهولة، ولكن كيف تتناقش مع من يعتبر نفسه متحدثاً باسم الله؟! [email protected]