كم مرة جلست وتركت لذاكرتك العنان لتنطلق بلا عقبات إلى زمن الطفولة والصبا، ووجدت نفسك تبتسم حين تتذكر اليوم الذى وقع منك الآيس كريم على تى شيرت العيد فى بيت جدك وبكاءك الشديد على الاتنين، أو المشاجرة التى حدثت بينك وبين زميلك فى المدرسة الابتدائية حينما أخذ منك الكرة عنوة وانتهى الحال بكدمة تحت عينك اليسرى؟ بدون أن تشعر ستجد نفسك تتمتم "ياه كانت أيام حلوة"، كثيرا ما تمنيت أن يكون عندى تسجيلات فيديو لطفولتى لأعرف ماذا بقى منى وماذا اختفى مع تغير العصر والزمن ، ليس لدى إلا توثيق لمناسبات: اعياد الميلاد ،افراح ،أعياد ، شم النسيم، لا أشعر بالحميمية معها ، وكأنها أحداث اقتطعت من سياقها ، تفتقد الحيوية والتفرد ، مثل مشهد اجتماع الأسرة حول التورتة وأغنية سنة حلوة ياجميل والمطلب الأبدى من صاحب عيد الميلاد المحاط بالأصدقاء والكبار "انفخ الشمع واتمنى أمنية "، تلك الصور يمكن أن تقارن بها كم تغيرت من الخارج أما من الداخل ، فلن تصل لاجابة ، وربما ذلك ماجعلنى اتابع بشغف فيلم "صبا" للمخرج الأمريكى ريتشارد لينكلاتر الذى قدم قطعة فنية فريدة من نوعها ،فقد امتد تصويره لهذا الفيلم إلى 12 سنة من صيف 2002وحتى خريف 2013 ، كان يصور كل عام عدة أسابيع ، يتابع ميسون من طفولته وحتى السنة الأولى من دخوله الجامعة ،الطفل مايسون (ايلار كولترين)تم اختياره من ضمن عدد كبير من الأطفال ، المخرج وهو كاتب الفيلم كان لديه صورة عن الطفل ،ذو وجه برىء و نظرة عين حالمة وعميقة ، وبالفعل فلقد أحسن الأختيار ، فلايمكن ان تتصور آخر كان يمكن أن يقوم بالدور أفضل من ايلار الذى بدأ الفيلم وعمره 6 سنوات وانتهى منه وعمره 18 سنة ،فالفيلم يروى سنوات الطفولة والمراهقة والصبا وبداية الشباب عند ميسون ، اما دور سامنثا اخته الكبرى ، كانت من نصيب لوريلى لينكلاتر ابنه المخرج والتى اصابها الضجر حتى طلبت من ابيها ان ينهى حياتها فى الفيلم ولكنه رفض ، وربما يكون لديها الحق ، فالممثل ممكن ان يفقد احساسه بالدور وتطوره بالزمن وبالتأكيد كان ذلك يمثل تحديا آخرللمخرج ، فلم يشعر المشاهد للحظة واحدة بأن أى ممثل فقد جوهر شخصيته وتطورها بل بدا الجميع على مدى سنوات مقنعين جدا. فى فيلم " الصبا "تشعر انك أمام حياة حقيقية بكل تفاصيلها ، عائلة يكبر افرادها عاما بعد عام ، كل تفصيلة فى هذه الحياة تصل بك إلى ما بعدها، الطفل الصغير الحالم يكبر أمامك ، ليتحول إلى فنان يرسم بالكاميرا التى تكون وسيلته للحصول على منحة تعليمية فى الجامعة وليس تفوقه الدراسى كأخته. ميسون هو الشاهد الرئيسى على عائلته وذكرياته عنهم هى التى تحدد لنا ملامح شخصياتهم ، فلا احد منهم له حياة خارج ذكرياته ، فأنت تعرف أمه القوية المسئولة (باتريشيا اركيت ) من خلاله ، وكيف تأثرت حياته بسبب زواجها من أشخاص اساءوا معاملته ، مما جعله يفضل أن يعيش فى عالمه الخاص متخذا من الصمت ملاذا ، أما أبيه ( ايثان هوك) الفوضوى المحب للموسيقى والغناء ،الذى تأثر به كثيرا رغم أنه كان يعيش بعيد عنه وكان يقابله على فترات متباعدة لكنه كانت علاقته به أكثر حميمية من علاقته بأمه استاذة الجامعة . الفيلم لايمكن اختزاله فى سطور قليلة ولايمكن الحكم بقيمته الفنية بسبب العديد من الجوائز التى حصل عليها وأهمها الدب الفضى للمخرج من مهرجان برلين ،ومن المتوقع أن يحوذ على احدى جوائز الأوسكار. الفيلم يستحق المشاهدة أكثر من مرة، وأضمن لكم أنكم لن تشعروا بالملل رغم أن مدة الفيلم تصل إلى ساعتين و45 دقيقة ...فهل يمل الإنسان من الحياة!! . [email protected] اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة