على الرغم من احترامي الشديد لأعضاء اللجنة المكلفه بالتعديلات الدستورية و على رأسهم المستشار طارق البشري وتقديري البالغ للجهد المبذول و الذي انعكس من خلال المقترحات التي تقدموا بها للمجلس العسكري ، إلا أنه ساءني أن يكون الاستفتاء المرتقب على هذه التعديلات على طريقة "الكومبو" ، بمعنى أن يتم الموافقه عليها أو رفضها جملة واحده... قد يدعي البعض أن هذا من شأنه أن يسهل العمليه في مجملها بدءاُ بالتسهيل علي رجل الشارع البسيط و انتهاءً بتسهيل عملية الفرز و إعلان النتائج ، إلا أن هذا لا يمكن أن يكون مبررا للتمادي في شكل من أشكال الاعتداء على حرية التعبير و التي طالما عانينا من تبعاتها ... إن منطقية الإجابة تعتمد أساسا على منطقية السؤال و عليه فإذا كان السؤال الذي يفترض أن يجيب عنه الشعب بنعم أو لا يحمل في طياته أطروحات متعددة غير ذات صلة ببعضها البعض فإن وضعها جميعاً في بوتقة واحدة هو شكل من أشكال الإعتداء على حرية التعبير أو أنه امتداد لصورة مغلوطة مفادها عدم قدرة هذا الشعب على التمييز و الاختيار و هو الوهم الذي بددته ثورة 25 بناير بشكل قاطع... كنت أتمنى أن تطرح التعديلات الدستورية للإستفتاء بحيث يدلي المواطن برأيه في كل أطروحة على حده سواء كانت هذه الأطروحة ممثلة في مادة دستورية واحدة أو أكثر ، كنت أتمنى أن تكون الصورة هكذا لنرى إنعكاس ذلك على الشارع في صورة نقاشات موضوعية و حوار مجتمعي ممنهج ، كنت أتمنى أن تكون الصورة هكذا لتؤسس لمرحلة قادمه يعي الشعب أن دوره فيها أساسي لا تكميلي و محوري لا شكلي ، كنت أتمنى أن تكون الصورة هكذا – و التعديلات المطروحة محدودة و واضحة – فيكون ذلك تحضيرا لاختبار أهم و أكثر تعقيدا عند مناقشة دستور جديد للبلاد ، و لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه ... إن الأصوات التي تتعالى الآن هي أصوات سياسية أكثر من كونها أصواتاً معبرة عن الثورة و إن تشدق أصحابها بفكرة الشرعية الثورية – وهذا أمر لا يعيبهم و لا يطعن في وطنيتهم – ، لقد كثر اللغط حول مفترق سياسي هل أنت مع تعديل الدستور القائم ليكون شرعيةً لفترة انتقالية مؤقته أو أنك مع البدء في إعداد دستور جديد من الآن على أن تستند الفترة النتقالية إلى شرعية إعلان دستوري مؤقت ؟! و بالرغم من اختلاف الآليات التي يمكن من خلالها تفعيل هذا التصور أو ذاك إلا أنه يمكن الزعم أن كليهما يخدم أهداف الثورة دونما تفرد لأحدهما على الآخر على الأقل إذا نظرنا إليهما بأعين رجل الشارع الذي أخذ على عاتقه إنجاح هذه الثورة المجيده و إن كان الحال عكس كذلك عندما يكون الطرح السياسي هو الحكم فلكل تيار سياسي حساباته و تصوراته و شكوكه و التي يريد أن يطرحها إلى الشارع على أنها امتداد للثورة و هو حق مكفول لأصحاب هذا الرأي أو ذاك – طالما ابتعدنا عن دائرة التخوين – فالكل شارك في هذه الثورة ومن حقه أن يطرح وجهة نظره فيما يجب أن تسير عليه الأمور و يبقى القرار في يد الشارع الذي انتصر للثورة و أنجحها و هو الآن قادر على أن يرجح هذا الطرح أو ذاك ... و هنا لا يجب أن نغفل دور القوات المسلحة و التي أثبتت دعمها الكامل للثورة و لعبت دوراً في حماية هذا الوطن سيسطره التاريخ بماء الذهب ، القوات المسلحة و الحال كذلك و هي المسؤولة الآن عن إدارة أمور البلاد ارتأت ملاءمة أحد التصورين لملابسات الوضع الحالي و اقتنعت به مخرجاً آمناً لمصر و طناً و شعباً دونما تأثر بتوازنات سياسية - و هنا مربط الفرس - و من ثم أرادت أن تعرض هذا الطرح على اختبار الشرعية الحقيقي من خلال استفتاء شعبي عام ، يؤدي الشعب فيه دوره إما بمباركة هذه الرؤية أو رفضها انتصاراً لطرح مختلف... إن الشرعية في مصر بعد 25 يناير هي حكر على الشارع و لن تكون لأحد سواه ، يختار و يقرر و يتحمل التبعات ، يولي و يحاسب و يعزل إذا شاء ، و هذه هي الرسالة التي يجب أن تستقر في أذهان الذين يعملون بالسياسه الآن ففقدان الاتصال بالشارع و الإحساس به معناه عزلة و موت سياسي...