قد لا يعرف شبابنا العظيم الثائر هذا المصطلح «المنسر وشيخ المنسر» ودلالاته، وهو مصطلح شاع فى عصور العثمانيين والمماليك، وبقيت آثار منه فى الريف لحقناها ونحن صغار، ويعبر المصطلح عن تشكيل عصابى من القتلة والحرامية والخطافين والهباشين، الذين يوزعون الأدوار فيما بينهم، واحد للمراقبة وثان لنقب الجدران وثالث للقتل...، وهكذا يباغتون البيوت والحارات والمحال والأسواق فى سرعة خاطفة تشبه انقضاض النسور على فريستها ومن هنا أطلق عليه «منسر»، وعندما نتأمل حال بلادنا العربية مع نظم الحكم فيها يصعب علينا هؤلاء المناسر، فإنهم فى الآخر لصوص أرياف لاتكاد حصيلتهم من السرقة والخطف تفى بعيش الكفاف. إن حكامنا أصبحوا شيوخ مناسر لكن بأشكال بالغة من العهر والفجر والدموية، وانظر إلى تلك القائمة من شيوخ المنسر هؤلاء: صدام حسين، زين العابدين بن على، حسنى مبارك، معمر القذافى، على عبدالله صالح، البشير وغيرهم كثير، سيناريو واحد متكرر، يتولون الحكم فى ظروف دقيقة، فيبذلون الوعود ويعطون العهود، ويبدون التعفف والزهد، ويبالغون فى تواضعهم ويطلبون وقوف الناس إلى جانبهم، وشعوبنا طيبة لا تعتقد أن الكبار يكذبون ويغشون ويخاتلون.. يعلن صدام نهاية حكم الحزب الواحد، وستتولى الحكم جبهة من القوى السياسية كلها، ويعلن «بن على» زوال حكم الفرد الأوحد، ويعلن القذافى نهاية عهد الهيمنة والقواعد الأجنبية، ويعلن مبارك عهد الحريات والاستقرار، «وأن الكفن مالوش جيوب» ويدعو على عبدالله صالح إلى وحدة الأشقاء فى الشمال والجنوب، ويدعو عمر البشير إلى مواجهة الفوضى وإطلاق الحريات.. المهم يتربع الحاكم على العرش ويجد فى يديه صلاحيات مطلقة، فيبدأ استخدامها ويتمتع بما تسبغه عليه من سلطان وجبروت، ويهرول الجميع لإرضائه، وتتحلق حوله بطانة سوء من الفسدة واللصوص «أعضاء المنسر» تستفيد من الاقتراب منه ومن فائض سلطاته الواسعة، وتلتقط ما يتناثر من بين أصابع سرقاته من أموال، وتزين له الاستمرار فى الحكم وتسهل له الاستئثار بالسلطة والحصول على المال من كل طريق، ويتم توزيع الأدوار بين الجميع، فهذا رئيس ديوان مهمته صيانة الحاكم وترتيب الأمور من حوله، وتحديد نوع الأخبار التى ينبغى أن تصل وأيها يحجب، وهذا أستاذ فى القانون الدولى مهمته تفصيل المواد الدستورية، بحيث تبدو السرقة والبطش والتوريث كأنها حكم الدستور والقانون، وهذا رئيس مجلس شعب متخصص فى إجهاض الاستجوابات، وكل ما يحرج الحكومة والحاكم، وهذا رئيس وزارة أنيق ونظيف مهمته التوقيع «على بياض» على عقود البيع والمناقصات وسرقة أموال الناس، وهذا رئيس تحرير حاصل على الدكتوراة من أرقى الجامعات يتولى تصميم وتنظيم الحملات الإعلامية، التى تقوم بتلميع الوريث الفذ والتغزل فى سواد عينيه وعبقريته الاقتصادية الإصلاحية الديالكتيكية التهليبية، وبالمرة يقوم بشرشحة المعارضين وفضحهم، وهذا رجل أمن وكبير بصاصين يتولى عمليات القتل المنظم وتصفية الخصوم والخطف والتلصص والتجسس وتلطيخ الشرفاء، ووقت اللزوم يقوم بالترويع وترتيب حالة الفوضى العامة رويدا رويدا، وهذا كبير إعلاميين يهيمن على الفضاء، بحيث نتجرع سموم النظام السياسية مدهونة بزبدة الألوان والأنغام ويدرّب فى الوقت نفسه كلابه لتقطيع هدوم ولحم كل من يتجرأ على التمسك بالحق والشرف، وهذا قواد قديم وعجوز يتولى التنسيق بين هؤلاء جميعا، ووقت اللزوم يقوم بتقديم التسهيلات حسبما تقتضى أصول مهنته القديمة، ويتصور هؤلاء جميعا أنهم قد باعوا الوهم للناس ويتصورون أن فلاشات التصوير وزيارات الوفود والهيئات الدولية ومؤتمرات حزبهم وملابسهم الأنيقة تخفى حقيقتهم العارية.. تلك الحقيقة التى جلاها وأزاح عنها الغطاء شبابنا العظيم وتضحياتهم الرائعة، وهى أن حكامنا مجرد «منسر وشيخ منسر». [email protected]