تابع العالم بأسره مؤخرًا الانتخابات الرئاسية المصرية، التي اصطف لها الملايين للإدلاء بأصواتهم في مشهد يؤكد بداية عهد جديد لدولة أصبح لها قائد انتخبه شعبه المتعطش للحرية والديمقراطية. إن المصريين لطالما حلموا بدولة قوية مزدهرة اقتصادياً، وهناك إصرار شديد على تحقيق هذا الحلم، خاصة وأن موارد وإمكانيات مصر غير مستغلة، ويكفى أن نشير إلى أن حجم الثروات المعدنية المستغلة بمصر لا يتجاوز 1% فقط. إن هذه الثروات عبارة عن جزء بسيط من إمكانيات دولة تتجاوز حضارتها السبعة آلاف سنة، وتبحث الآن عن شركاء لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة بكافة القطاعات، وهنا يأتى دور فرنسا التي يجب أن تكون هي الشريك الأبرز خلال المرحلة المقبلة بما يليق بمكانة فرنسا التي تعد الشريك التجارى الأوروبى الأكبر لمصر بعد إيطاليا وألمانيا. على الرغم من أن حجم التجارة بين البلدين سجل انخفاضاً ملحوظاً خلال العام الماضى بنسبة 14% لتبلغ قيمته 2.57 مليار يورو مقارنة بعام 2012 الذي وصل فيه إلى 3 مليارات يورو، حيث تراجعت الصادرات الفرنسية إلى مصر بنسبة 20% خلال 2013 لتبلغ 1.4 مليار يورو مقابل 1.74 مليار يورو خلال عام 2012، كذلك فإن الصادرات المصرية لفرنسا تراجعت بنسبة 7% خلال العام الماضى لتبلغ قيمتها 1.17 مليار يورو مقابل 1.26 مليار يورو عام 2012. إن هناك إمكانية كبيرة لإحداث طفرة في التبادل التجارى بين البلدين، ومضاعفة حجم الصادرات والواردات، لأن السوق المصرية الآن تبحث عن مستثمرين كبار في قطاعات واعدة، سواء بالسوق العقارية أو المصرفية أو التجارية أو الصناعية أو الإلكترونية، وغيرها من القطاعات التي تستعد لانطلاقة قوية خلال الفترة المقبلة بعد فترة من الركود المؤقت استمرت أكثر من 3 سنوات. العلاقة بين فرنسا ومصر مميزة للغاية، فهناك خصوصية في الروابط التي تجمع بين البلدين وتحديداً من الناحيتين الثقافية والتاريخية، وهو ما ينعكس بوضوح على حالة الولع الفرنسى بالحضارة الفرعونية، وكذلك التأثر المصرى بالقيم والمبادئ والحريات التي صدرتها الثورة الفرنسية. إن هذه العلاقة النادرة بين فرنسا ومصر تمثل أرضية مثالية لتعاون اقتصادى مثمر بين كلا البلدين، يصب في صالح شعوبهما، ولكنها لا تكفى للارتقاء بهذا التعاون إلى المستوى المطلوب. بعيداً عن الروابط الثقافية والتاريخية، الواقع يؤكد أن هناك عوامل أخرى إما موجودة بالفعل أو ظهرت مؤخراً على الساحة، وهذه العوامل تجعل من تحسين العلاقات الثنائية بين فرنسا ومصر وزيادة التعاون الاقتصادى بينهما خلال الفترة المقبلة ضرورة حتمية تحقق مصالح الدولة والمستثمرين في كلا البلدين. أول هذه العوامل هو المميزات الكبيرة التي تتمتع بها السوق المصرية والتى تمثل عامل جذب للمستثمرين، سواء من حيث اتساع حجم السوق المصرية، وتوافر العمالة الشابة المؤهلة، والزيادة الكبيرة في أعداد السكان التي تزيد من مساحة السوق المصرية، بجانب معدلات النمو المتوقعة خلال السنوات المقبلة. إن مصر هي بوابة الشرق الأوسط والعالم العربى وشمال أفريقيا، فهى تقع في موقع جغرافى شديد التميز، وبها أهم ممر ملاحى في المنطقة يربط تجارة الشرق بالغرب «قناة السويس» والتى لها أهمية كبرى للعالم بأثره، وتشرع مصر حالياً في تنمية محور قناة السويس وإقامة مشاريع لوجيستية ضخمة تمهد لانطلاقة كبرى لمصر وللشركاء بالمشروع، بالإضافة إلى ما تتمتع به مصر من موانئ عالمية على البحرين المتوسط والأحمر، وأيضاً شبكة ضخمة من الطرق والسكك الحديدية تربط جميع أنحاء الجمهورية، وكلها عوامل تجعل من مصر مركزاً مميزاً سواء لإقامة المشروعات، أو لإنشاء المصانع والتوكيلات والتصدير منها لكافة أنحاء العالم. ومن الناحية السياسية فالوقت مناسب لإحداث طفرة في العلاقة بين مصر وفرنسا، فقد فاض الكيل بالشعب المصرى من المحاولات الخارجية والداخلية التي تسعى لفرض هيمنتها على شعب لطالما حلم بامتلاك إرادته السياسية، مما يمثل فرصة ذهبية لباريس لتطور علاقتها مع القاهرة والانتقال بها إلى مراحل أكثر تقدماً تحقق تطلعات وآمال الشعبين المصرى والفرنسى، خاصة أن المصريين ينظرون إلى فرنسا ومواقفها الدولية نظرة تقدير واحترام. إن ما يدفعنا إلى الاهتمام بالإسراع في تنمية العلاقات بين البلدين هو الضرورات التي تفرضها اللحظة الراهنة، فالوقت الآن أكثر من مثالى لتحقيق هذه الخطوة، والتأخير أو التباطؤ في تطوير هذه العلاقة ليس في صالح البلدين، وإن لم يكن يضرهما فإنه على الأقل سيحول دون تحقيق العديد من المنافع المشتركة التي تجمع مصر وفرنسا، خاصة من الناحية الاقتصادية، فهناك العديد من الدول التي تعقد آمالاً كبيراً للاستفادة من الوضع الراهن في مصر، ومن يأتى أولاً سيحقق المكسب الأكبر. إن باريسوالقاهرة عاصمتان للثقافة والتنوير، فكما أن باريس هي عاصمة النور ومهد الموضة والحريات، فإن القاهرة بقواها الناعمة من السينما والأفلام والأغانى ومثقفيها مثلت مصدراً للإلهام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأثرت حضارتها الفرعونية في العالم شرقه وغربه. إننا نأمل أن تصبح العلاقات الاقتصادية بين البلدين على مستوى الروابط الثقافية والتاريخية التي تجمع بينهما، وأن ينجح صناع القرار في كلا البلدين في استغلال الظرف الراهن والانتقال بالعلاقة بين البلدين إلى المستوى اللائق، وأن تتم ترجمة هذه العلاقة بشكل واقعى في صورة استثمارات متبادلة تعود بالفائدة على كل من فرنسا ومصر في القريب العاجل.