كُرة مُبشرة على حدودِ منطقة الجزاء، يَستلمها بدورانٍ كامل من أجل خِداع المُدافع «سونير إرتيك»، هدف ثانٍ للفريق سيكون جيداً لضمان التأهل لدور الكأس التالي، يستعد للتصويب، مرَّت ثانية أو ثانيتان، يَقوم «إرتيك» بالاندفاعِ على قَدمه، أول ما فكَّر فيه أنها ركلة جزاء، قبل أن يُدرك سريعاً مقدار الألم الذي يَشعر به، لا يَستطيع حتى الوقوف، الأمور لا تبدو بخير. لَم يحتج راداميل فالكاو في تلك الليلة أكثر من ثلاثِ دقائق ليعرف أن وضعه خطير، قبل حتى أن يخبره الأطباء بأن ما حدث للتو هو قطع في الرباط الصليبي للركبة، وأنه، على الأغلب، لن يستطيع اللحاق بكأس العالم الذي سيقام بعد خمسة أشهر فقط. الكولومبيون لم يصدّقوا أنهم، الآن تحديداً، في أعلى نُقطة من مسيرتهم الكروية منذ منتصف التسعينات، ومع فريق يحتل المركز السادس في تصنيف منتخبات العالم، وينتظر له أن يذهب بعيداً جداً في البرازيل، يفقدون نجمهم الأهم وأملهم الأكبر في البطولة، الكولومبيون شعروا أن كارثة 1994 ستتكرر من جديد! كانت كولومبيا عام 1994 واحدة من أقوى منتخبات العالم، بجيلٍ استثنائي يقوده كارلوس فالديراما، زلزال الفوز على الأرجنتين، في دارِها، بنتيجة 0-5، في سبتمبر عام 1993، كان لها الأثر الأكبر في التوقعات التي يحملها الجميع نحو ذلك المنتخب، «بيليه» توقع أن تفوز كولومبيا بكأسِ العالم، سَخر منه الكثيرون ولكنهم أكدوا على أنها ستكون ضمن منتخبات دور الثمانية على أقل تقدير. المحصلة في النهاية كانت أكبر مرارة تجرعتها الجماهير الكولومبية على مَرّ تاريخها، الخسارة 3-1 في المبارة الافتتاحية أمام جيل جورج هاجي الروماني، قبل أن تكتمل الكارثة بخسارة جديدة 2-1 أمام المنتخب الأمريكي، خروج من الدور الأول، والارتباط بواحدة من أقبح حوادث كرة القدم بعد قتل المدافع أندريه إسكوبار بعد أيام من انتهاء البطولة عن طريق عصابة كولومبية وضعت أموالاً كثيرة على المنتخب في سوق المراهنات، وحَمَّلَت «إسكوبار» كل هذا ب6 رصاصات في جسده. كل تلك الصور الكارثية تكررت أمام الكولومبيين مع خبر إصابة «فالكاو» برباطٍ صليبي، بل إن تهديدات بالقتل وصلت إلى المدافع «سونير إرتيك» مصحوبة بكلمة «لأجلِ ركبة فال»، وكان على «راداميل» أن يحتمل فوق ألمه الشخصي واحتمالية إنهائه لموسمٍ خافت مع «موناكو» بالغيابِ عن كأس العالم، ضرورة أن يُهدِئ من روع الجميع، يُرسل إلى «أرتيك» رسالة مُطمئنة يقول له فيها «لا تلم نفسك كثيراً، هذه الأشياء تحدث في كرة القدم دائماً»، قبل أن يطلب من مشجعيه في كولومبيا الهدوء، «سيكون كل شيء بخير، سأفعل كل ما بوسعي للحاق». الشهور التالية أتت بأخبارٍ جيدة، ركبة «فالكاو» تستجيب للعلاج بسرعة، قوته البدنية التي تميز بها في الملاعب هي ما يساعده الآن على العودة إليها، لن يحتاج أكثر من الأشهر الخمسة للتعافي، قبل أن يؤكد جراحه البرتغالي «جوزيه نورونها» أنه «لن يكون جاهزاً للعبِ خلال المباريات الافتتاحية، ولكن بنسبة 100% سيتواجد في دور ال16». كولومبيا تعرف الطريق الذي يجب أن تقطعه بدون «فالكاو»، كأن المُنتخب نَفسه بحاجة للتأكيد على جماعيته، واستحقاقه للمكانة التي يحتلها الآن، ليعبر من مجموعة يفترض أن تكون سهلة، تجمعه بكوت ديفوار واليونان واليابان، قبل أن يلتقط «راداميل» في مُنتصف الطريق الأكثر صعوبة، ويحاول أن يصل به إلى دور الثمانية للمرة الأولى في تاريخه، متجاوزاً هاجس 94 الكابوسي.
