ما حدث فى فروع مباحث أمن الدولة كارثة أمنية وسياسية واجتماعية وإنسانية قد يمتد تأثيرها السيئ لسنوات طويلة، إذا لم نتصرف شعبا وسلطة على مستوى الحدث المشؤوم الذى يذكرنا بمأساة «صندوق باندورا» فى الأساطير، فقد تبين مدى فساد «الأخ الكبير» الذى حدثنا عنه الكاتب البريطانى جورج أورويل فى روايته 1984 التى كتبها عام 1948، ملايين الوثائق والمعلومات التى يتعلق جزء كبير منها بشخصيات عامة ومواطنين عاديين، والتى سعى الجهاز الأمنى لجمعها و«فبركتها» أحيانا باعتبارها «أوراق سيطرة» وأدوات إخضاع وابتزاز فى دولة الفساد، هذه المعلومات انفرطت بلا حساب وصارت الآن فى كل يد، لاشك أن الحقائق المخجلة ستختلط بالأكاذيب القذرة، بل ويمكن للبعض دس أوراق كيدية لتشويه آخرين والادعاء أنها كانت ضمن تقارير الجهاز المريب أو العكس فبركة وثائق لصالح أشخاص وإظهارهم بمظهر البطولة وتتبع الأمن لهم. هكذا انتهت قصة «الأمن الوهمى» بفضيحة زلزلت أمن كل فرد وهددت استقراره النفسى وكيانه الاجتماعى، فوثائق السيطرة لم تعد جزءاً من لعبة سياسية محكومة يسعى من خلالها جهاز احترافى لابتزاز وتحجيم خصوم النظام فى محاولة للسيطرة على ماضيهم لتتحكم فى مستقبلهم كما يقول أورويل، لكنها صارت لعبة فضائحية عامة فى مجتمع مهووس بالبحث عن فضيحة يشارك فيها بسوء نية أو حسن نية لا يهم، الملايين من مستخدمى ال«فيس بوك» والمدونات وجميع مواقع الإنترنت المختلفة، مرات بدافع النميمة الإلكترونية ومرات للتشويه، وقريبا لا نستبعد ظهور حالة واسعة من جرائم الابتزاز المالى والسياسى بأنواعه اعتمادا على الحصاد الجهنمى لخزانة الأسرار التى ستورث المجتمع إذا لم يتم احتواؤها «كوكتيلا» من المشاعر السلبية قد تبدأ بالسخط والغضب لكنها قطعا ستصل إلى الكراهية والشك فى الذات وانعدام الثقة فى الآخرين. فى مراجعتى لرواية أورويل توقفت أمام عبارته الحادة كشفرة الموس «لقد صممت اللغة السياسية لكى تبدو الأكاذيب حقيقة والقتل تصرفاً أخلاقياً سامياً ولكى تمنح الريح مظهراً صلباً»، فهل هذه هى السياسة التى نريد تطبيقها فى ثورتنا الجديدة؟ هل يرضى هذا الشعب الذى افتدى الحرية بروحه ودمه أن تتلوث ثورته بالنبش فى أسرار الآخرين واصطناع هرم من الفضائح والأكاذيب؟.. يجب أن نعى تماما المسار الرئيسى لثورتنا، ولا نشتت أنفسنا فى دهاليز فرعية تأخذنا إلى حالة من التنابز والتخوين والتشويه ستنتهى بنا حتما إلى مصيبة التمزق الاجتماعى، يجب أن ندرك والتعبير أيضا لأورويل أن ألاعيب السياسة قادرة فعلا أن تقنعنا بأن «الريح صلبة»، وأن الكثير من الوثائق المتسربة حقيقية وتصل إلى مرتبة الأحكام على ضمائر ومصائر أشخاص طالما قلنا نحن أنفسنا إن أمن الدولة يسعى للسيطرة عليهم أو «حرقهم» كما يقولون، وهكذا فإن بعض الحقائق قد تختلط بكثير من الشائعات التى «فبركتها» الأجهزة الأمنية المنحلة كعادتها التى أجمعنا عليها كلنا من قبل، ولهذا أطالب بمواجهة هذه الكارثة على مستويين، الأول أن يعلن المجلس العسكرى فى أقرب وقت تشكيل لجنة سياسية وقانونية موثوقة لتسلم وفرز هذه الوثائق، وحفظ وتصنيف كل مايتعلق منها بأمن الوطن وحماية مصالحه، ثم حرق كل الوثائق والأوراق المتعلقة بالحياة الشخصية للمواطنين، أو الوثائق المدسوسة وغير الموثوقة، والتى لا ترقى لاعتبارها جرائم فى حق الوطن يمكن أن يعاقب عليها بالقوانين المعمول بها، وقبل هذا كله يجب أن يلبى كل فرد فى مصر نداء المجلس العسكرى بتسليم ما لديه من وثائق خلال مهلة يتم إعلانها للانتهاء من هذه اللعنة فى أسرع وقت، ويجب أن يحدد المجلس العسكرى سقفا زمنيا وعقوبة رادعة ضد كل من يثبت احتفاظه بهذه الوثائق أو نسخة منها بعد انتهاء المهلة المحددة لتسليمها، ولنحتفل معا بحرق هذه الأوراق فى ميدان التحرير فى أقرب جمعة بعد انتهاء هذه المهمة، فلنعمل معا بوطنية وإيمان من أجل إبهار العالم بأسلوب أخلاقى رفيع كما فعلنا منذ اندلاع ثورة يناير، والفرصة ممكنة أمامنا فى «جمعة الستر».