الصحافة الأخلاقية

في أوائل الثمنينيات طلب رئيس جريدة «أكسفورد مايل» التقاط صورة لطفل عاجز في أول يوم دراسي له. ولكن لم يلتقط الصحفي الصورة عندما طلبت الأم عدم نشر صورة ابنها لكي يستطيع أن يعيش حياة طبيعية. انزعج رئيس التحرير وهدد الصحفي بالفصل، ولكن لم يخضع الصحفي للتهديد وقام مع أصدقائه بالإضراب يوما كاملا عن العمل وتوزيع منشورات علي المواطنين لشرح الضغوط التي تعرض لها. هذا نموذج واحد من ضمن نماذج عدة للعاملين في المجال الإعلامي ومدي تمسكهم بأخلاقيات المهنة.
و لكن أصبح للأسف في و قتنا الحالي إنتهاك خصوصيات الأخرين، و التشهير بالشخصيات العامة، والتحريض علي الكراهية و العنف،والأعتماد الكلي علي المصادر مجهلة، والخلط بين الخبر و الرأي، والإتهام بالخيانةو العماله، و نشر صور للموتي من أهم سمات الإعلام المصري سواء كان مكتوباً أو مسموعاً أو مرئياً. إنتهاكات المعايير الإعلامية باتت أمراً طبيعياً يمارس بشكلأً فج في أغلب الأحيان.
ومع تطور التكنولوجيا ووجود وسائل الإعلام الحديثة، بدأت معظم وسائل الإعلام تهتم بالأخبار المثيرة التي تلقي رواجاً عند المواطنين لزيادة نسبة القراء والمستمعين والمشاهدين وبالتالي زيادة في نسبة المعلنين والأرباح.
لذلك فإن الخروج بميثاق شرف يحتوي على مبادئ عامة مرشدة للأداء المهني للعاملين بالمجال الإعلامي للاحتفاظ بأخلاقيات المهنة أمر طبيعي بعد الانتهاكات المتزايدة لمعايير و أخلاقيات الممارسة الإعلامية.
فمن حق وزارة الإعلام الممثلة للدولة المصرية أن تأتي بميثاق شرف يحتوي على مبادئ عامة لضبط الأداء الإعلامي، ومن حق أي فرد الموافقة على بعض المبادئ أو الاختلاف على البعض الآخر.
كما هو الحق أيضاً لأي جهة أخرى مثل غرفة الإعلام المسموع والمرئي في أن تضع ميثاقا آخر يحتوي هو أيضا علي أهم المبادئ التي تحث علي الالتزام بالمهنية وتوضح حقوق وواجبات العاملين بالمجال. وربما كذلك للعاملين في الصحافة التليفزيونية والصحافة الرياضية وصحافة المرأة وغيرها.
لا تعتبر مواثيق الشرف ملزمة، فنحن لدينا ميثاق الشرف الصحفى منذ 1998، ومع ذلك هناك اختراقات وانتهاكات يومية من معظم الصحف لمبادئ الميثاق.
ولكن بالرغم من عدم إلزاميتها إلا أن وجودها مهم جدا لتدعيم فكرة «الصحافة الأخلاقية» التي تضع حق الجمهور ومصلحته أمام عينيها قبل أن تنتهك المعايير المهنية بغرض الشهرة أو السبق أو زيادة الربح.
وطبقاً لأيدين وايت، أمين عام الاتحاد الدولي للصحفيين، الصحافة الأخلاقية «هي التي تهتم بدور وسائل الإعلام في المجتمعات الحديثة ومحاولة إيجاد طرق جديدة لتمكين خدمة العالم المتغير».
ولكن بالإضافة إلى وجود تلك المواثيق، يلزم توعية العاملين بالمجال الإعلامي بها وعلي ما تنصه، فكثير من العاملين بالمجال ليسوا علي درجة كافية من الوعي بما تتضمنه المواثيق الإعلامية من مبادئ وأهداف. أعتقد أن في ظل حالة الفوضى الإعلامية العارمة نحتاج لمزيد من المواثيق ونحتاج للعمل بها قبل أن تفقد وسائل الإعلام دورها الحقيقي في التوعية والتثقيف.