"خرج نائبا غاضبا وعاد محافظا للبنك المركزى"..تلك الجملة هى تلخيص لكواليس الخروج الغاضب ل هشام رامز- محافظ البنك المركزى - من منصبه كنائب لمحافظ المركزى الحالى الدكتور فاروق العقدة،قبل ان يعود حاملا صولجان المحافظ خلفا ل العقدة بضغط حكومى و رئاسى . بدأت قصة القرار الغاضب الذى اتخذه هشام رامز بالخروج من البنك المركزى فى اكتوبر 2011 عندما تأكد من رغبة الدكتور فاروق العقدة فى استبعاده من المنصب و تفضيل طارق عامر –رئيس البنك الاهلى المستقيل مؤخرا من منصبه عليه . وتأكد رامز من ان العقدة لن يمنحه منصب المحافظ بعد رحيله عن المنصب عندما قال له بالحرف الواحد فى احد الاجتماعات "عامر هو المحافظ المقبل وانا اتفقت مع المجلس العسكرى على ذلك وانت سيتم تعيينك كبديل ل طارق عامر كرئيس مجلس ادارة البنك الاهلى المصر ". وكصحفي متخصص في شئون الاقتصاد والبنوك فقد كنت شاهد عيان على مدى التقارب بين العقدة وعامر ،فأثناء افتتاح البنك الاهلي في الخرطوم ،حضر فاروق العقدة متأخرا الى الفندق بصحبة عامر بعد حفل عشاء مع نائب الرئيس السوداني في ذلك التوقيت علي عثمان طه ،وحاولنا كفريق صحفي الوقوف لدقائق مع العقدة للحديث عن تعويم الجنيه امام الدلار ،لكن العقدة ابتسم كعادته وقال :انا تعبت واقتربت على المعاش وعايز ارتاح ..فكان السؤال التقليدي لي :ومن سيخلفك كمحافظ للبنك المركزي فأجاب العقدة ،بكل ثقة مشيرا الى طارق عامر ،وقد تجمع حوله فريق صحفي اخر في احد اركان بهو الفندق ،المحافظ الجديد أهو ... وكان من المقرر ان يقوم المجلس العسكرى بتعيين عامر محافظا فى نوفمبر 2011 ،لكن الرياح جاءت بما لايشتهى العقدة وتراجع العسكرى عن اتخاذ القرار فى التوقيت المتفق عليه ،بدعوى الصبر حتى استقرار البلاد والانتهاء من الانتخابات الرئاسية ،ووعد العسكر ،فاروق العقدة بتنفيذ وعوده بعد الانتخابات وتم اقناع العقدة بان الاعلان الدستورى الذى اصدره المجلس العسكرى عشية انتخابات الرئاسة كفيل بتنفيذ الخطة حتى بعد انتخاب الرئيس الجديد .وعليه قرر العسكر تجديد ولاية العقدة لفترة ثالثة . وعلى الرغم من تأجيل تنفيذ خطة العقدة لبعض من الوقت ،فان رامز كان قد اتخذ قرارا بالرحيل نهائيا عن المركزى طالما انه لن يصبح المحافظ المقبل . وقام رامز بمصارحة العقدة حول رغبته فى الرحيل عن البنك المركزى ،فقرر العقدة ترضيته بمنحه منصب الرئيس غير التنفيذى للمصرف العربى الدولى مع احتفاظه بمنصب نائب المحافظ ،لكن المنصب الجديد او الاضافى لم يرقى الى طموحاته،وعندما لاحظ العقدة اصرار رامز وافق فى النهاية على الرحيل . وتلقى رامز عرضين فى ذلك التوقيت ،الاول لشغل منصب الرئيس التنفيذى لبنك اتش اس بى سى فى مصر ،والاخر من احد البنوك الامارتية ،وفى المقابل كان عصام الوكيل رئيس مجلس ادارة البنك التجارى الدولى يستعد لانهاء خدمته بالبنك،بعد ان بلغ السن القانونية، فقرر مجلس ادارة البنك الاستعانة بخبرات رامز وتعيينه فى نفس المنصب على ان يتولى خطة العمل اليومية للبنوك ومنح مهمة التخطيط الاستراتيجى ل هشام عز العرب العضو المنتدب للبنك . وبالفعل كلف مجلس ادارة البنك هشام عز العرب مهمة اقناع رامز بقبول المنصب ،ووافق الاخير بالخروج من المركزى الى التجارى الدولى فى رحلة عمل استمرت نحو عاما . وتخلل فترة بقاء رامز فى البنك التجارى الدولى ،قيام الرئيس محمد مرسى بالغاء الاعلان الدستورى الذى اقره العسكر عشية الانتخابات ال رئاسية والتخلص من المجلس العسكرى باحالة المشير حسين طنطاوى و الفريق سامى عنان الى التقاعد وتعيين الفريق عبد الفتاح السيسى وزيرا للدفاع . القرارات الرئاسية تسببت وقتها فى بعثرة الاوراق واعادة ترتيبها مرة اخرى ،وبدأ العقدة فى تجديد الحديث عن تقديمه للاستقالة من منصبه بداعى رغبته فى الخلود الى الراحة بعد استمراره فى المنصب منذ 2003 ،وتواترت الانباء فى الصحف عن رغبة العقدة فى انهاء خدمته وكذا رغبة صديقه المقرب وذراعه الايمن طارق عامر فى الرحيل عن رئاسة البنك الاهلى كما ترددت انباء عن رفض عامر منصب نائب رئيس الوزراء للمجموعة الاقتصادية ،بعد تعيين حكومة هشام قنديل كما اعلن عامر شخصيا عن رفضه تولى منصب المحافظ . واثناء تواجد العقدة فى رحلة الى باريس ،تم رصد رامز اثناء دخوله الى قصر الاتحادية لمقابلة مرسى –خلال توقيت الاعتصامات امام قصر الاتحادية ضد الاعلان الدستورى الذى اعلن عنه الرئيس لتحصين قراراته،وترددت انباء عن ان مرسى عرض عليه منصب المحافظ . وعاد العقدة بشكل غير متوقع ،الى مطار القاهرة بعد انتهاء لقاء رامز مع مرسى بساعات ،وانهمك فى اجراء اتصالات هاتفية مع مسئولين حكوميين لمعرفة الحقيقة ،واسباب لقاء الرئيس مع رامز . وشهدت مفاوضات الحكومة مع رامز العديد من اللقاءات بين رامز و الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء و مسئولين من حزب الحرية والعدالة لاقناعه بقبول المنصب ،لكنه كان يرغب فى الابتعاد عن العمل الحكومى فى هذا الوقت العصيب الذى يمر به القطاع المصرفى والوضع الاقتصادى المتردى حتى لا يوصم بان المحافظ الذى افلست مصر فى ولايته ،كما وصم من قبله الدكتور محمود ابو العيون محافظ البنك المركزى الاسبق بان الجنيه تم تعويمه فى عهده وبلغ الدولار وقتها اكثر من 7 جنيهات . وبعد عدة لقاءات بين رامز و قنديل ،وافق رامز بتولى المنصب لكنه اشترط انتهاء العقدة من ملفين قبل رحيله ،وهما توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار و انهاء ازمة ارتفاع الدولار امام الجنيه فى ظل تراجع الاحتياطى للوضع الحرج . الحكومة من جانبها ابلغت الرئيس بان الشخص المطلوب لخلافة العقدة يرفض المنصب و يضع شروطا معينة للموافقة،فقال الرئيس بالحرف الواحد "طيب ممكن اقابله " وبالفعل تم تحديد موعد للقاء رامز واصر الاخير ايضا على الرفض لكنه تراجع ووافق بعد الحاح مرسى وقال له "اللى تشوفه يا ريس". وفى المقابل فان كلا من العقدة و الاخوان المسلمون كانا على نقيض وراى كلاهما فى الطلاق خيارا امثل ،فالعقدة معروف عنه موقفه الحاسم من رفض وضع قانون خاص بالبنوك الاسلامية بالاضافة الى موقفه المضاد لاضافة الصكوك الى الاوراق المالية المعتمدة من البنوك مثل شهادات الادخار والسندات ،وكان موقف العقدة احد الاسباب الرئيسية التى عجلت برحيله ،بالاضافة الى الضغوط الامريكية على الجماعة بالاسراع فى اخراج الصكوك الى الواقع لانها المدخل الرئيسى لهم لنقل ملكية القطاع العام والمرافق العامة ،والعقدة كان رافضا . وعلى الرغم من ان الاخوان كانوا ضد العقدة منذ الوهلة الاولى فانهم قرروا الابقاء عليه لحاجتهم اليه وعدم وجود بديل . وقررت جماعة الاخوان المسلمين الاستعانة بخبرات محافظ المركزى الاسبق اسماعيل حسن فى القطاع المصرفى واجتمعوا به وعرضوا عليه تعديل قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003 من اجل افساح مجال اوسع للصيرفة الاسلامية لكن حسن ،قال "هذا كلام فارغ".