دعا الرئيس السوري بشار الأسد، الخميس، إلى مواجهة ما وصفه ب«الكفر الإرهابي الوهابي»، قائلاً «إن على العالم العمل من أجل استئصاله من جذوره»، وذلك خلال لقاء جمعه بوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي زاره في دمشق، ووعده ب«توحيد الجهود» بين دمشقوطهران لمكافحة الإرهاب. تتزامن هذه الدعوة مع القتال الدائر في الأنبار بين حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، كما تتزامن مع القتال الدائر في اليمن بين الحوثيين (الشيعة) بصعدة والسلفيين (السنة) وفي دماج. وإذا أضفنا إلى ذلك دعم الولاياتالمتحدة للمالكي في معركته ضد ما وصفه وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري بقوى «الإرهاب الدولي» في الأنبار، وإعلان إيران استعدادها لدعم حكومة «المالكي» في حربها ضد الإرهابيين، فإن هذا يعني أن المنطقة بصدد موجة جديدة من الصراعات الطائفية، وتحديدًا بين السنة والشيعة، برعاية أمريكية إيرانية كاملة. الدعم الإيراني لنظام «الأسد» الطائفي «العلوي» في سوريا لا يخفى، لاسيما عبر وكيلها المذهبي في المنطقة والمتمثل في «حزب الله» اللبناني، سواء كان هذا الدعم سياسيًا، عبر عرقلة أي مساع لحل الأزمة السورية عسكريًا، وهو ما نجحت فيه طهران بالتعاون مع موسكوبكين، أو كان هذا الدعم ماديًا، بالمال والعتاد والسلاح والمقاتلين إن لزم الأمر. لقد نجح «الأسد» في تسويق إبادته للشعب السوري وتحويل ثورته، من ثورة شعبية لإنهاء النظام الديكتاتوري القمعي إلى حرب على «الإرهاب الدولي»، عبر إذكاء النعرات الطائفية بين أبناء الشعب السوري، ليستفيد من ذلك في طرح نفسه كفاعل رئيس في مستقبل سوريا، إذا ما أرادت القوى الكبرى، عدم تسليم سوريا للقوى الإسلامية «الإرهابية». وفقًا للخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط، فولكر بيرتس، فإن الصراع في سوريا بات صراعًا على السلطة بين الفرقاء السوريين، «زاد من حدته الحرب بالنيابة بين إيران والسعودية من أجل السيطرة في المنطقة»، بحسب تعبيره. ويرى «بيرتس»، أن بعض الجماعات الإسلامية السنية، المتورطة في القتال في سوريا، تلقت الكثير من الأموال من دوائر خاصة في الكويت والسعودية، لمجابهة الدعم الإيراني المعلن لنظام الأسد ودخول «حزب الله» بقوة على خط المواجهة بعد أن تحول ميزان القوى على الأرض لصالح المقاتلين السنة. ويدعم المحلل السياسي دويل مكمناص، في مقال نشره بصحيفة لوس أنجلوس تايمز، ما ذهب إليه «بيرتس»، حيث يرى أن« سوريا تشهد حربًا بالوكالة تعصف بها منذ قرابة ثلاث سنوات، وأن دولاً إقليمية أبرزها، السعودية وإيران، تتصارع من خلال الحرب الأهلية في سوريا للهيمنة على ما مستقبل المنطقة العربية برمتها». أما اليمن فقد بات الصراع فيه على أشده، بين «الحوثيين» (الشيعة) في «صعدة»، الممولين من إيران، و«السلفيين» (السنة) في «دماج»، المدعومين من السعودية، وفقًا للمحللين، باعتبارهم امتدادًا لمذهبها السني الحاكم في الرياض، ومن ثم فقد باتت الحرب بين الطرفين في اليمن، هي حرب بالوكالة بين إيران والسعودية، والضحية هو الشعب اليمني ككل. ويأتي هذا في الوقت الذي تلقي الولاياتالمتحدةالأمريكية بثقلها التقني والعسكري بقوة في المشهد اليمني، عبر شن طائراتها بدون طيار هجمات على مواقع محتملة للإرهابيين، كان آخرها، الأربعاء الماضي، حيث لقي أحد عناصر تنظيم القاعدة مصرعه وأصيب اثنان آخران في غارة جوية نفذتها طائرة بدون طيار بمحافظة «حضرموت»، جنوب شرق اليمن، وفقًا لصحيفة المدينة اليمنية. لقد مرت المنطقة العربية بجولة طائفية دامية في لبنان، في سبعينيات القرن الماضي، واستمرت نحو خمسة عشر عامًا، ألقت بظلالها السلبية، ليس على لبنان فحسب، ولكنها طالت المنطقة العربية ككل وقضاياها الاستراتيجية الرئيسة، وأبرزها القضية الفلسطينية. وعليه، فإن دخول المنطقة في جولة جديدة من تلك الحرب الطائفية الضروس، وفي ظل الأجواء السياسية الصبعة التي تعانيها البلدان العربية، داخليًا وخارجيًا، قد يقضي على أي فرصة لتنمية حقيقية للشعوب العربية لعقود طويلة، فالمذهبية والطائفية، هي السلاح الأمضى للقوى الدولية والإقليمية الكبرى، في معركة تفتيت العرب وتقسيم دولهم نحو كيانات «فسيفسائية» هشة وتابعة، بلا إرادة وطنية فعلية، وبلا استقلال سياسي حقيقي.