في رسالتي الأولى، أشرتُ إلى دور الشباب في صياغة تاريخ مصر المعاصر الذي تبقون بلا شك جزء هاما منه سيادة الرئيس. سيادة الرئيس، لقد كان هنالك خطأ وقعت فيه مؤسسة الرئاسة وكافة وزارات وأجهزة الدولة يتمثل في عدم الالتفات الكامل إلى الشباب. مشكلة هذا الخطأ (ومقامكم محفوظ سيدي) أنه يوصف بالخطأ الاستراتيجي من وجهة نظري الشخصية، وللأسف، فقد حدث قبل مظاهرات عيد الشرطة2011م وبعدها. هذا الخطأ وقعت أنا شخصيا فيه وأنا أرصد الأحداث المتسارعة وأدى ضمن أسباب أخرى إلى تراجعي عن قرار كنت قد اتخذته في 2009م بالترشح لمنصب الرئيس في انتخابات رئاسة الجمهورية - إن كان لي عُمْرٌ أصلاً حينها (سواء 2029م أو ما بعدها)-. سيادة الرئيس، لقد غابت معلومة أنّ50%من تعداد الشعب المصري هم ما بين خمسة عشر إلى خمسة وأربعين عاما، ولو كانت هذه المعلومة متاحة على طاولة النقاش لكانت كافية لقلب كل الوقائع رأسا على عقب. أفظعُ ما قد يشكو منه أي مدير يا سيادة الرئيس هو عدم إتقان المرؤوسين لعرض التقارير شفهية كانت أم مكتوبة، فحين يدلف الموظف إلى مديره بمشكلة أو خبر ما، فإنه عادة ما يسهب في شرح التفاصيل قبل البدء بتوضيح المعلومات المرتبطة بالموضوع. أستطيع أن أتخيل تقارير تتحدث عن عيال الانترنت وشباب فاضي يدعو لمظاهرات، وقرأنا هذا في صحف "قومية" عدة. معلومة الخمسين في المائة هذه لو كانت واضحة فأنا ممن يتصورون أن سيادتكم قد تتعاملون مع المتظاهرين كما يتعامل مدير إدارة عملاءCustomers يخدم في مؤسسة عريقة بأن ينزل ببساطة لعملاء غاضبين يربت على أكتافهم وينصت إلى شكاواهم مبتسما ومعتذرا في آن معا. وعلى كل حالٍ، فإنني أتفهم أن تحسبكم ربما لسقف مطالب المتظاهرين قد أدى للتباطؤ في حرق كل الخيارات عبر فترة زمنية مطولة تبقي على الجيش كورقة رابحة دوما في نهاية المشهد بالتزامن ربما مع إعادة الثقة لمؤسسات الدولة من الداخل عقب صدمة الأحداث. لقد كنتُ أرى هنا، وهنا، وهنا، وحتى هنا، كنت أرى حقائق مضيئة، بل عثرت على اليوتيوب على تسجيل للقاءات جمعت بين وزراء في حكومة د.أحمد نظيف مع شباب حكومة لحزب سياسيّ تحت التأسيس، وكانت اللقاءات مع د.مفيد شهاب، ومع د.محي الدين، ومع د.أحمد درويش، كانت كلها لقاءات تعكس توجها للاهتمام حقا بالتوعية السياسية للشباب، ولكن هذا كله يا سيادة الرئيس لم يكن مذاعا عبر وسائل تخاطب جمهور الشباب إذا تخيلنا أسرة مصرية مكونة من أب وأم وابن وطفلة، فإنّ مشكلة البطالة للابن تتسبب في استخدامه لألعاب جهاز الكمبيوتر بشكل يقلل من الوقت المخصص لشقيقته الصغرى، وبالتالي فإن مشكلة البطالة لهذا الابن قد سببت مشكلة للطفلة وللأبوين اللذين أنفقا مالا (ومن قبلُ أعصابا وصحة) على تعليم وتنشئة هذا الابن، باختصار: بطالة هذا الابن الشاب يا سيادة الرئيس هي في الواقع صداع مزمن للأسرة بكاملها. قد تتساءل يا سيادة الرئيس: ولماذا لم تتفاقم هذه المشكلة منذ زمن طالما أنها فادحة جدا وتتعلق بنصف المجتمع؟ رغم أن الكلّ يرصدُ أن سيادتكم بدأتم منذ الألفية الجديدة في تطعيم التشكيل الوزاري بوزراء من جيل الشباب ومن مهندسي الاتصالات تحديدا وفي حقائب وزارية مختلفة، إلا أن عدم الالتفات للشباب وهم نصف (النصف المعطل) المصريين هم ما بين خمسة عشر إلى خمسة وأربعين عاما، عدم الالتفات الكامل هذا بدأ قبل الاحتجاجات بوقت طويل يا سيادة الرئيس، فلا الشباب ممثلون في وزارة (تم تخفيض وزارة الشباب إلى مجلس قومي)، ولا الأحزاب مهتمة بتفعيل الشباب، ولا الجامعات تستقطب طاقات الشباب، فأصبحوا منغلقين كل في حياته اللهم إلا من مباريات كروية وأنشطة رياضية (فيديوهات الألتراس تدعو للعجب من الطاقة والاندفاع والحماس الشديد لبعض شباب الأندية). الأسباب كثيرة، لكن هنالك فئة قليلة من الشباب كانت تزار فجرا وتعتقل معصوبة العينين ليوم على الأقل وكل ذنبها أنها تقيم مثلا في محافظة مشهورة بغزارة تواجد جماعة الإخوان المسلمين فيها. هنالك فئة أكثر عددا بادرت بإيجابية مثل أنشطة جمعية مهندسي الكهرباء والالكترونيات(IEEE)بالكليات مثلا. فئة ثالثة أقل عددا انصرفت للكرة والترفيه أو حتى للأنشطة السياسية والأحزاب. وما بين كل هذه الفئات، صنف انزلق لإدمان، أو تطرفٍ، أو انحراف. هل انتهت المشكلة إذاً؟ لا! فهذه الفئات جميعها خرجت لسوق العمل بحثا عن رزق حلال يمهد لبنت الحلال ومن قبلُ لاستقلال في القرار، ومرة أخرى ينقسم الشباب ما بين نافذ يظفر بوظيفة، وما بين طامح يقاوم الزمن، وما بين باحثٍ عجز مؤهله المتوسط أن يوصله لشطآن وظيفة مستقرة، وفي كل هذه الأطياف تتداخل عيون الآباء ودعوات الأمهات وزفرات الألم مع بصيص الأمل. حتى أمثالي من المشاغبين حينَ وجدت صديقا يوصل مقترحا بإنشاء حركة تسمى السادس من أكتوبر تستوعب طاقات الشباب وتفعلها في أنشطة تنفيذية (مشكلات العشوائيات مثلا ومساعدة كبار السن)، حين أوصلَ هذا الصديقُ المقترحَ لوزارة الداخلية، فإنني استدعيت لمقابلة ضابط مهذب بأمن الدولة فوجئت أثناء مناقشة موضوع الحركة المقترحة ومقارنتها بحركة السادس من إبريل فوجئت بأنه كان يعتقد بإمكانية احتواء حركة السادس من إبريل بالطرق الأمنية الاعتيادية في حين أنني كنت أرى في مثل هذه الحركة مؤشرا على وجود شباب لديه طاقات وملكات تحتاج إلى من يوظفها. وهكذا ضاعَ شبابُنا بين فشلي في العرض والتوضيح، وبين أمننة (نسبة للأمن) التغيرات المجتمعية، وما بين هذا وذاك، غابت جامعاتٌ وغُيّب مجتمع مدنيّ وذابت ثقافات وانحسرت عبادات، ولأكتفيَ بإطلاق اسم مصر الجديدة(NewEgypt)على نشاط استشارات التخطيط الوظيفي الذي كنت بدأته في عام 2009م. المؤلم سيادة الرئيس أنّ التعامل البوليسي مع التغيرات المجتمعية لم يكن ضمن المكوّن الثقافي(Culture)لوزارة الداخلية والدليل في صفحة17إلى30هنا.