ليست الرؤوس التى تطير الآن، مقصورة على رؤوس البسطاء، تحت قصف النيران.. وليست الرؤوس التى تطير الآن، مقصورة على رؤوس الوزراء، بسبب نداءات التطهير.. ولكن الرؤوس الرئاسية أيضاً تطير.. كما تطير طائراتهم شرقاً وغرباً.. مرة إلى السعودية، وأخرى إلى شرم الشيخ.. وثالثة إلى فنزويلا.. تتغير النغمة من «بالروح بالدم نفديك».. إلى «ارحل.. وعارك فى يديك»! لا يختلف الأمر من الرؤساء، إلى وزرائهم.. فى طرة كان هناك استقبال حافل للعادلى وشركاه.. يرددون: «يا حلوة يا بلحة يا مأمعة، شرفتى خواتك الاربعة».. وهى الغنوة التى تم بها استقبال أكابر النظام.. ثم حلقوا ميرى وتعرضوا للسب الفاضح.. فلا وزير ولا سجين.. الكل سجناء.. ومادام الأمر كذلك، والأغانى هى سيدة الموقف.. فقد راح «مبارك» و«بن على» يغنيان للعقيد القذافى: تعال جنبى.. تعال جنبى! الرؤوس تطير.. والسلاطين تزول.. ولكنها الآن تطير أزواجاً.. بعد أن كانت فرادى.. ذهب زين العابدين فى يناير.. وتلاه مبارك فى فبراير.. وحاليا بنجاح ساحق، يتنافس قذافى ليبيا، وصالح اليمن.. من يرحل أولاً.. الهتاف الجماهيرى واحد.. ارحل.. بالبنط العريض.. لا تفاوض ولا تصالح ولا مساومة.. لا كتاب أخضر، ولا كتاب أحمر.. لا جيرة بعد حرق الجرن.. والطائرات الرئاسية تستعد! لا يفيد الكلام ولا يفيد ذهب المعز.. باطل، كل شىء باطل.. يسقط القذافى.. يسقط الأخ العقيد.. الشعب يريد إسقاط النظام.. يقول: طيب أغير الحكومة.. يقولون له: ارحل.. يقول: أحل البرلمان.. يقولون له: ارحل.. يقول: لا تمديد ولا توريث.. يقولون: ارحل.. يقول: أخاف عليكم الفوضى والجوع.. يقولون له: ارحل.. يقول: سنبدأ إصلاحات جذرية.. يقولون له: ارحل يا عم خللى عندك دم! لا يجد القذافى من يتوسط له لدى الشعب.. من يأخذ بيده، كما فعل هو مع زين العابدين.. عندما كان يتحدث عن الرئيس الزين.. فلا أحد موجود، كلهم سبقوه.. مبارك فى شرم، وزين العابدين فى جدة.. لا أحد يتدخل غير سيف القذافى.. يرجو ويتوسل.. ثم يهدد ويتوعد بالقتال، حتى آخر جندى وآخر طلقة رصاص.. بعدها يتحدث عن عصر الجماهيرية الثانية.. نشيد جديد، وعلم جديد، وحلم جديد! كل ساعة تسقط مدينة فى أيدى الثوار.. وكل أسبوع تسقط دولة.. فكيف كانت هذه الجمهوريات؟.. وكيف كان هؤلاء الرؤساء؟.. وكيف كانت هذه الجماهيريات؟.. كلها سراب.. لماذا لا نسمع عن الإصلاح، إلا حينما يدركهم الغرق؟.. ما معنى أن يجلسوا على كراسى الحكم، دون أن يفعلوا شيئاً، على مدى 30 أو 40 عاماً؟.. وهل يصدقهم شعوبهم، حين يفعلون ذلك فى ثلاثة أو أربعة أيام؟! كيف يخرج سيف القذافى، ويتحدث نيابة عن أبيه الرئيس؟.. إلا إذا كانت هناك نية التوريث؟.. هؤلاء الأبناء هم الذين ألقوا بآبائهم فى الجحيم.. وهؤلاء الرؤساء هم الذين تصوروا، أنهم يحكمون العزب وليس الجمهوريات.. كيف يخرج سيف القذافى، ويتحدث عن تهدئة أو حرب؟.. وكيف يصف الثوار بالسكارى؟.. كيف يقول إن ليبيا ليست تونس ولا مصر؟.. وكيف يقول إما الحوار أو الحرب؟! لم يكن غريباً أن يرد عليه الثوار برفع الأحذية.. ولم يكن غريباً أن يتهموه بالخبل مثل القذافى.. ولم يكن غريباً أن يضحكوا منه، وهو يتسول التهدئة.. كان يتهته وهم يضحكون.. كان يتحدث عن ليبيا جديدة.. بلا كتاب أخضر.. يتحدث عن مخططات وأجندات.. السيناريو نفسه.. فى الجانب الآخر من الصورة، كان مبارك وزين العابدين يضحكان.. لسان حالهما يقول: تعاااال تعال.. على طريقة العندليب عبدالحليم حافظ!