لقد نجحت الثورة في أول خطواتها نحو بناء دولة عصرية تقوم على أسس من الحرية و العدالة الاجتماعية و الكرامة الإنسانيه ؛ بفضل الله و توفيقه أولا و أخيراً ثم بفضل أولئك الأحرار الذين آمنوا بتلك المبادئ ونزلوا إلى الشارع ليصرخوا بها في وجه الظلم و العدوان و الفساد فمنهم من نال الشهاده و منهم من كتب الله له النجاه ليكون شاهداً على دناءة النظام و خسته ، و لتكون شهادات هؤلاء المسالمين الأنقياء سيفاً على كل من يريد أن يتملق الثورة أو يتسلق على أكتافها خاصة أولئك الذين تلوثت أيديهم بالدماء و اعتادت ألسنتهم الزور و الفحشاء و باتت وجوههم مكشوفة حتى للبلهاء... أقول هذا بعد أن كثر اللغط ، فهناك من ينسب الفضل لنفسه في التمهيد للثورة و ينصِّب نفسه بطلا حيث هاجم بعض رموز النظام يوماً ما متناسياً أنه ما فعل ذلك إلا تملقاً لآخرين و أداءً لدور أبلهٍ في مسرحيةٍ هزلية و على الجانب الآخر يفاجؤني من يأخذ اليوم جانب الثورة وهو من كان بالأمس القريب أسداً عليها يتوعدها بالثبور و يذيق شبابها صنوف القهر و التعذيب. لقد تعالت اليوم أصوات تدعو إلى المسامحة و بدء صفحة جديدة تكون فيها هذه الثورة ثورةً لكل المصريين، و أنا لست ضد هذه الدعوات و لكن يجب أولا أن توضع الأمور في نصابها لتكون الصورة واضحة المعالم لا تمتد إليها أياد خبيثة مغرضه تتلاعب بنقائها و تدنس بياضها... إن من نعتناهم بالشهداء هم أناس مسالمون نزلوا إلى الشارع و ربما وقفوا في شرفات منازلهم إيمانا منهم بمبادئ سامية و طلباً لحقوق مشروعة لطالما انتهكت فقوبلوا ببربرية و همجية أتباع النظام و آلة حربه فأودت بحياتهم ظلما و عدوانا فاستحقوا لذلك منا لقب الشهداء و لا نزكي على الله أحدا... أما أولئك الذين نزلوا من بيوتهم لقمع هؤلاء الأنقياء و الفتك بهم في غياب من القانون عاديك عن أدنى معاني الإنسانية سواء في المظاهرات أو في سياق أداء الأعمال اليوميه في أقسام الشرطه فهم لا يستحقون أن يوضعوا في نفس السياق مع شهداء الثورة حتى لو كانوا قتلوا غدراً لا يستثنى من ذلك إلا من سوف تثبت التحقيقات أنه قتل دون شرفه و أداء واجبه الوطني ، لأن الأصل فيهم أنهم معتدون و الأصل في شهداء الثورة أنهم أصحاب حق يطالبون به في إطار من الشرعية فهيهات أن يتساوى هذا وذاك حتى وإن تعالت الصيحات و الصرخات . إنني إذ أقول هذا الرأي فإني مؤمن بأن هذا التصور هو بداية التصحيح ، فالتصحيح لابد له من تعريف الأخطاء أولاً و وضع الأمور في نصابها و إلا تاهت الحقائق و اختلطت الأمور و استحال التصحيح... إن إخواننا الشرفاء في جهاز الشرطة و الذين لم يدنسوا أيديهم بهذه الأعمال البربرية و القتل غير المبرر للعزل مدانون أمام المجتمع و أمام أنفسهم لسكوتهم الطويل على تجاوزات يعلمها الداني و القاصي ... ولعله لن يطهرهم إلا أن يكونوا شهداء لله يقولون الحق لا يخافون لوم اللائمين ، إن ما حدث يوم جمعة الغضب لكثير من الشهداء هو قتلٌ مع سبق الإصرار و الترصد لا يملك التسامح عليه إلا أصحاب الدم ، وهذه رسالة إلى كل من نادى بالتسامح ؛ إذا كان اليوم يوم المرحمه ، فإن العفو لا يكون إلا بعد المقدرة ... و لتثبت لنا وزارة الداخلية و ليثبت لنا الشرفاء في جهاز الشرطة أولاً صدق نواياهم و صدق النوايا لا يكون بتغيير الشعارات و إنما يكون بصدق العمل... إننا ننشد اعترافا صريحا من وزارة الداخلية بفداحة الجرم الذي حدث يوم جمعة الغضب سواء على مستوى القتل العمدي للعزل و الإفراط في استخدام القوة لتفريق المتظاهرين أوعلى مستوى السياسات المتبعه لسنوات تمتد إلى ما قبل الوزير السابق و التي جعلت من الشرطة عدواً للشعب لا يلجأ إليه إلا مضطراً كارها و الذي جاءت نتيجتها لا لتكدر السلم العام وحسب و إنما لتضربه في مقتل لتكشف شرخاً في علاقة الشرطة بالشعب لطالما حاول النظام إخفاءه... إن ما يجب فعله اليوم هو ان نواجه الحقائق لا أن نلتف عليها من خلال برامج مفبركه و تصريحات مطاطه ، و ذلك لنؤكد على أن حلول الأمس لم تعد مطروحة اليوم بحال من الأحوال و أن الترقيع لن يكون مخرجا للأزمة القائمة بين الشرطة و الشعب حتى و لو بشكل مؤقت... و أخيرا فإن مائدة الثورة ترحب بجميع شرفاء هذا البلد شريطة أن يثبتوا قدرتهم الحفاظ على بياضهابالعمل و الفعل قبل القول.