ركلام ابن عم حديث

نعيش الآن فى «نوة» الكلام.. وعندما تشترى حضرتك هذه الجريدة الغراء بجنيه، فإن مقالى يقع عليك بمليم يعنى تقرأ وتفكر وتعلق وتنبسط وتشتمنى وتمسح زجاج العربة أو النافذة بالمقال بمليم واحد، فالكلام رخيص وإن غلا والفعل غال وإن رخص.. وفى اجتماع لاتحاد الكرة لمناقشة أسباب التدهور بعد إحدى الهزائم الكبرى تحدث الأعضاء عن طرق العلاج، ثم وقف الكابتن «صالح سليم» ليقول لهم: (كلامكم جميل لكن لماذا لا تنفذونه؟).. وقد مدح الشاعر أحد الملوك، فأمر له الملك بمائة ألف دينار، ثم أمر الخازن ألا يصرفها له، ولما سأله الشاعر عن السبب قال له الملك: (أسعدتنى بكلام، فأسعدتك بكلام.. أنا سعدت عندما سمعت القصيدة وأنت سعدت عندما سمعت المنحة)..
وتقول صباح: (كلام كلام كلام وبس ما باخدش منك غير كلام وبس).. والعلاج بالكلمات عادة مصرية قديمة اخترعوها قبل الإبر الصينية، ففى 19 يناير 1977 وقف هيكل يشرح للسادات أسباب اندلاع المظاهرات وأنه صراع بين الفقراء وطبقة الانفتاح، فأشار السادات بأصبعه فى الهواء وهو يقول (يُلغى الصراع الطبقى فى مصر).. وإن من البيان لسحراً وأحياناً «مخدر موضعى» وليس بالحب وحده يحيا الإنسان، بل بوظيفة ومسكن وسرير فى مستشفى.. فى كل مرة نسقط فى الحفرة التى تصنعها القنبلة ونكتفى بتبادل خطابات الغرام.. حبيبى عليا يغطرش وعينى تصب المدامع.. أعمى ينادى على أطرش لا ده شايف ولا ده سامع..
فالمشكلة أن الموكل إليهم حل مشكلة الوطن هم أنفسهم المشكلة.. لذلك أمام الندوات اعمل نفسك أطرش وأمام التليفزيون اعمل نفسك أعمى وأمام الكمين اعمل نفسك ميت، فالكلام مكرر بعد كل هزيمة فى الكرة أو نكسة فى الحياة.. وأتذكر أن الشاعر أقام دعوى وحصل على حكم بأحقيته فى المائة ألف دينار، ولكن الملك لم ينفذه ومن يومها بدأ الصراع الأزلى بين ديوان الملك وديوان الشاعر.. الشاعر عايز فلوس والملك عايز كلام..
وقد سألوا «جورج برنارد شو»: (لماذا تتحدث كثيراً عن الفلوس، بينما منافسك يتحدث دائماً عن الأخلاق؟) فقال: (كلانا يتحدث عما ينقصه).. فالكلام كثير والفعل قليل، فافتح عينك ضد الإرهاب واعمل ودن من طين الوطن وودن من عجين مستورد، ففى الأفلام فقط ينتصر الضعفاء واللى له ضهر فى هذا البلد لازم يدعكه يطلع له وظيفة أو مسكن أو سرير فى مستشفى.. كلام ابن عم حديث، لكنه لا يحقق التحديث.
galal_amer@hotmail.com