وقعت الواقعة، دخلت الأحزاب الانتخابات وخرجت شِيعاً وأحزاباً. الأحزاب أخذتها السكرة، سكرة الخروج، لم تفطن للفكرة، فكرة الخروج. سكارى وما هم بسكارى، يتشاغلون بالتزوير - وهو حق لهم - عن التغيير، وهو حق عليهم. الخطير هو أن معظم البنايات الحزبية المصرية تحتاج إلى إعادة إعمار، إلى إصلاح، إلى قرارات شجاعة قبل أن تنهار فوق رؤوس سكانها والمارة. فى مصر الآن بناء آيل للسقوط، اسمه الأحزاب، تلك التى ظلت تحت الاختبار منذ تأسست المنابر فى أواسط السبعينيات، ثم تحولت إلى أحزاب بعدها بسنوات قليلة. إن 30 سنة من الحياة الحزبية تطل علينا عبر هذه البناية الخربة. الحزب الوطنى له رئيس معتبر يعمل على إصلاحه، ولكن أليس للأحزاب رئاسات تُصلحها، تقف على عتبات الفشل. الفشل ليس وليد اليوم، الفشل منذ الميلاد، وُلدت عاجزة، مهيضة، تابعة، لم تتعد سن الفطام. حزب يريد التحصّل على عشرات المقاعد فى مجلس الشعب، وفق صفقة وهمية يروّج الوهميون لوجودها المنعدم، ثم يفشل حتى فى تحديد أسباب سقوطه المدوّى، ويبحث عن كل الأسباب، عدا سببا واحدا هو فقدان الشعبية، يتحسس شعبيته فى أضابير التاريخ. حزب يتلفع بعباءة الزعيم خالد الذكر، حزب يأكل نفسه بنفسه، رئيسان لحزب وبينهما معارك، مقار يقودها نفر من البلطجية.. وحزب ثالث يلتزم الصمت المبين، وحين يتكلم يقول إنه وحده الذى يملك الحس الشعبى والمشروع الاجتماعى العادل، فإن فتشت فى أدبياته لن تجد إلا سراباً! وحزب مستحدَث يرفض للرفض، ولا يتورع عن التحالف مع كل عابر سبيل، تارة مع المحظورة، وتارة مع حركات الشارع، وتارة ثالثة يتقوقع على نفسه. فى معظم أحزابنا اليوم.. قائدان، يتنازعان القيادة بأحكام القضاء، وفى كل حزب اليوم جعجعة ولا طحن، وكلام عن التغيير وعجز مبين عن الحركة، والسؤال الغائب أو الفريضة الحزبية الغائبة: أين الناس من كل ذلك؟.. أين عموم أهل مصر؟ قيل قديماً إن أحزاب ما بعد الثورة فشلت لكونها تشكلت بقرارات من أصحابها، رغبات فوقية ونخبوية، والأحزاب الحقيقية إنما تقوم وتنجح وتكتسب فاعليتها من وجود حقيقى فى الشارع يخلق احتياجاً، فيخلق الاحتياج حزباً، فيدعم الناس هذا الحزب فى الانتخابات، فيصل إلى البرلمان بتمثيل مشرف.. بديهية معروفة للقاصى والدانى.. أين نحن من هذا السياق البديهى؟ وهل المطلوب أن توجد أحزاب على الساحة وتتكاثر كزَبَد البحر لمجرد الوجود؟ السؤال بمعنى آخر: هل المطلوب أن يكون هناك مجرد «ديكور حزبى» مطلوب فى حد ذاته؟ إننا نحتاج بصراحة إلى إصلاح لهذا البناء الشائه، إصلاح على أسس تضع المصالح العليا للمصريين فى أول سُلَّم الأولويات، إصلاح يعرف خطة البناء قبل أن يضرب أول معول فى هدم البناء، إصلاح يستهدف إقامة أحزاب حقيقية ببرامج حقيقية تعبر عن البشر الحقيقيين، وتعالج الأزمات وتُوجِد البدائل، لدينا دعوات صالحات بالشراكة دونما احتكار، دعوة إلى تصحيح مسار حزبى أزعم أنه صار عبئا على الديمقراطية بمعناها الحقيقى، بدلا من أن يكون جسرها الرئيسى..!