زارتنى فى عيادتى ثلاث طالبات من كلية الإعلام، يطلبن مساعدتى فى مشروع الانتماء لمصر، وكيف ننمى انتماء المواطن المصرى لوطنه مصر، قلت لهن: لماذا لا تتجهن للحقائق، ويصبح المشروع: انتماء الوطن للمواطن، انتماء مصر للمصريين! بدا عليهن عدم الفهم، قلت لهن: سأقص عليكن حادثة وقعت وأنا فى إنجلترا.. فهمت منها انتماء الوطن للمواطن، شاب إنجليزى 17 سنة اسمه تيموثى دافى، ذهب إلى تركيا.. تاجر فى المخدرات، ألقوا القبض عليه، حوكم، وكان الحكم ثلاث سنوات سجناً، وثلاثة آلاف جنيه إسترلينى غرامة، إلى هنا والقصة عادية، ولكن غير العادى بالنسبة لى كمواطن مصرى، هو ما حدث بعد ذلك! احتج مجلس العموم البريطانى، وطالب البرلمان التركى بأن يقضى تيموثى عقوبة السجن فى إنجلترا، ولكن البرلمان التركى رفض ذلك، طلب رئيس وزراء إنجلترا من رئيس وزراء تركيا نفس الطلب، فكان الرفض أيضاً، زار السفير البريطانى تيموثى فى سجنه، وسأله إذا كان هناك أى شىء يضايقه! جمعت مدرسة تيموثى ثلاثة آلاف جنيه إسترلينى، وأرسلته لتركيا لدفع الغرامة! أرسل الشعب البريطانى 350 خطاباً تشجيعياً لتيموثى، فرد على 70، ورد على الباقين برسالة نشرتها الجارديان «صحيفة» وفيها يقول: أعزائى جميعاً.. الشعب البريطانى.. إنى على استعداد أن أسفك دمى من أجل إنجلترا إذا طلبت منى ذلك! قلت لطالبات كلية الإعلام: هنا سالت دموعى! عرفت معنى الولاء والانتماء، عرفت أن الانتماء.. هو انتماء الوطن بمؤسساته إلى المواطن، وحين تنتمى مصر بمؤسساتها إلى المواطن المصرى فتكفل له الحياة الكريمة من ناحية الغذاء، الكساء، المسكن، التعليم، الصحة، الأمن الداخلى والخارجى.. سوف ينتمى المصريون جميعاً إلى مصر! أما هذه الأغانى والشعارات الجوفاء مثل نشم هواءه ونشرب ماءه، فلا معنى لها.. خصوصاً أن ماءه وهواءه بل غذاءه أصبحت تأتى بالأمراض. سألتنى طالبة: كيف ينتمى الوطن للمواطن؟ قلت: بالعدالة الاجتماعية التى تحققها سيادة القانون، فالكل يجب أن يكون أمام القانون سواء بسواء، كانت مصر إمبراطورية عظيمة حين كانت ماعت «ربة العدالة» هى شعار الدولة، وضاعت الخلافة العباسية حين تفشى الظلم والقهر والنفاق الدينى، وقد عبر عن هذا العصر العباسى الثانى أبوالعلاء المعرى: يا رب عجِّل بالقضاء إنما هذا العالم منحوس! ظلموا الرعية واستجازوا كيدها علام يأخذون جزية ومكوس؟! فأبوالعلاء يطلب الموت من ظلم الحكام الذين أرهقوا شعوبهم بالضرائب والإتاوات! كما وصف المتسترين بالدين الطامعين فى الحكم: تستروا بأمور فى ديانتهم، ودينهم دين الزناديق نكذب العقل فى تصديق كاذبهم.. والعقل أولى بإكرام وتصديق الدولة هى المسؤولة عن انتماء المواطن لها، كما أنها المسؤولة عما نحن فيه من تخلف حضارى، دينى، ثقافى، بل هى المسؤولة عن هذا التفسخ والتشرذم الطائفى، رجال الدين الذين يبثون سموم الفرقة والكراهية ليل نهار، والدولة غائبة أو فى غيبوبة عنهم- أين هم من رفاعة رافع الطهطاوى أو الشيخ محمد عبده أو الشيخ على عبدالرازق؟! بل أين هم من رجل الدين الذى قال عنه فولتير: رجل الدين الجاهل يثير احتقارنا، ورجل الدين المتعصب يثير اشمئزازنا، أما رجل الدين المثقف الواعى فهو الجدير بحبنا واحترامنا. [email protected]