ما لا يدرك كله لا يترك جله، وإذا كان انفصال جنوب السودان حاصلا لا محالة، إذن إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وليرحم شمالنا جنوبنا، وليرحم جنوبنا شمالنا، فإن بعد العسر يسرا، وبعد الانفصال وحدة، ولا يعرف جنة الوحدة إلا من جرب نار الانفصال، نار الانفصال وقودها الناس والحجارة، بئس ما يطلبه الانفصاليون على الجانبين. الحادبون على وحدة السودان فى مصر يرون أنه إذا كان تقرير المصير حقا ملزما، وأجمعت عليه كل ألوان الطيف السودانى وتراضى عليه الطرفان فى نيفاشا وماشاكوس (مصر شاركت فى نيفاشا فقط) فإن تاريخ التاسع من يناير (يوم الاستفتاء) ليس مقدسا، لم يتنزل من السماء، فالسودان، شمالا وجنوبا، لم يوف استحقاقات الاستفتاء، لا القبلية ولا البعدية بعد.. 6 سنوات مرت من عمر السودان دون الوفاء بالاستحقاقات، وتلك كبيرة إلا على الانفصاليين. لاتزال مشكلة «أبيى» تسعى كحية رقطاء تهدد الأمن والسلم السودانى، لن ندخل فى تفاصيل الاستفتاء على أبيى، أيضا ترسيم الحدود لايزال شائهاً، حق الجنوبيين فى الشمال فى التصويت على الانفصال والوحدة، إشكالية أخرى، وغيرها كثير مما يخشى منه على السودان كوطن صار ممزقا بين جنوب عصى على الوحدة، وغرب ساع إلى الانفصال، وشمال لا يدرى إلى أين أو من أين يمضى..! القاهرة الصابرة على ما يجرى فى السودان ترى ضرورة استيفاء كل الاستحقاقات القبلية والبعدية حذر الحرب الأهلية التى إن اندلعت فلن تبقى ولن تذر فى ظل طغيان حديث الانفصال، وعلو صوت الانفصاليين على الجانبين، هناك فى أحراش الجنوب من يسعى إلى الانفصال منذ عام 1956 (تاريخ الاستقلال عن التاج البريطانى). مصر تريده استفتاء أبيض لا يراق على جوانبه الدم، وما الكونفيدرالية بحل بعيد، وهو حل توافقت عليه لجنة الحكماء الأفارقة برئاسة ثابو مبيكى (رئيس جنوب أفريقيا السابق) وساقه إلى القاهرة كحل وسط بين المتنازعين، بدلا من خيار أوحد، أو الخيار صفر، وحدة أو انفصال، هناك حلول أخرى، هناك الفيدرالية والكونفيدرالية، مبيكى عرض الاقتراح قبل شهور على الاتحاد الأفريقى والاقتراح موثق ومنشور ضمن وثائق الاتحاد وأبلغت به الأممالمتحدة وشركاء الإيقاد والدول المانحة، واعتبرته مصر حلا وقائيا لاستفتاء لم يوف حقه، ولم يتوق خطره الداهم، الانفصال يريده البعض دمويا قانيا، اللهم ارحم السودان وأهله. مصر التى أعطت حق تقرير المصير للسودان فى عام 1956 لن تضن بالحق ذاته على جنوب السودان الذى انتزعه فى قرارات أسمرة المصيرية فى عام 1995، مصر لن تقف حائلا دون رغبة السودانيين الجنوبيين فى الانفصال، ولكنها ترشد تلك الرغبة، وتهدئ من روع السودان وأهله من انفصال يخشى أن يقضى على الحرث والزرع والنسل، وكما فقد الجنوب شبابا بكرا فى حرب الشمال، يخشى على الجنوب من حرب الجنوب والجنوب، حرب أهلية، حذرا يقولون ما بين الجنوب والجنوب أكثر مما بين الشمال والجنوب، انفجار السودان سيتشظى فى أفريقيا، صوملة السودان يخشى منها على صوملة دول شرق أفريقيا فى حزامها الذى يحيط بخاصرة مصر. الخشية المصرية لها أبعاد استراتيجية تحض على وحدة السودان.. الخشية المصرية لا تجد آذانا تنصت فى الخرطوم أو جوبا، عجلة الانفصال دارت، عجلة الاستفتاء دارت، لا يمكن إيقاف ماكينة الانفصال الهادرة هناك فى أحراش الجنوب، لا حديث فى السودان من نيمولى جنوبا إلى حلفا شمالا ومن بورسودان شرقا إلى الفاشر غربا إلا عن الاستقلال فى زمن سحقت فيه الوحدة تحت سنابك خيل جبهة الإنقاذ التى تنادت إلى الجهاد فى الجنوب حتى أضاعت الجنوب والشمال معا.