نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا (11 ديسمبر 1911 - 30 أغسطس 2006) ... آخر عنقود إخوته المُسمَّى بإسم الطبيب الشاب الذى أنقذ حياة أمه و هى تلده : د. نجيب محفوظ . كان الطبيب مسيحياً و المولود المُسمَّى بإسمه مسلماً فى مجتمع يؤمن أن الدين لله وحده و الوطن للجميع فشب الصغير متشرباً هذه الروح العذبة بحكم نشأته فى أكثر أحياء القاهرة حميمية , فمن الجمالية التى ولد فيها إلى الغورية و العباسية و الحسين الذين شكّلوا مساحة محورية فى أغلب أعماله يبقى نجيب محفوظ الكاتب الوحيد الذى تستطيع بين سطور أعماله أن تشم رائحة البخور النفاذة و تسمع ضجة باعة العرقسوس و البطاطا ممزوجة بتهويمات المجاذيب ووقع نبابيت الفتوات و أصوات النساء اللائى يجادلن فى أسعار السلع المختلفة مع أصحاب الحوانيت...!!! و برغم أنه عموماً لم يكن يعنى كثيراً بالوصف الخارجى و الشكلى للشخصية , لكن حاسته الفائقة فى قراءة الوجوه التى تمر به كل يوم وبراعته فى إعادة رسمها بقليل من الرتوش و الخيال تعد من أهم سمات أسلوبه المائل إلى التحليل و التمعن فى بواطن الأمور ربما بسبب تخصصه فى الفلسفة أثناء دراسته الجامعية . إن أحمد عاكف بطل خان الخليلى المتحذلق متوسط التعليم الذى يظن نفسه ذا ثقافة غزيرة , و كامل رؤبة لاظ بطل السراب الذى جعل منه تدليل أمه الزائد و عقدة إسمه التركى ثقيل الوقع رجلاً فى البطاقة الشخصية فقط , و السيد أحمد عبد الجواد الذى طلق زوجته لخروجها دون إذنه بينما يقضى هو لياليه مع العوالم و العاهرات هى شخصيات تحيا بيننا و نراها كل يوم مع إختلاف الزى و اللهجة و المستوى المادى و الإجتماعى . كم رجلاً اليوم يخفى امرأته خلف نقاب سميك و يمنعها من العمل بينما يقضى هو ليله أمام الفضائيات يشاهد الفيديو كليب ؟ النقطة الأخرى التى يجب التوقف عندها عندما نتحدث عن أدب نجيب محفوظ هى تلك المسحة الروحانية التى تركتها سكنى حى الحسين على شخصيته و أسلوبه , فبرغم إتجاهه للإلحاد فى فترة ما من حياته لكن يظل التدين و الإنحياز لفكرة البحث الجاد عن علاقة حقيقية مع الله هو الطابع الغالب على معظم كتاباته بعكس ما يشيعه مهاجموه الذين إتخذوا من الحوارات الفلسفية و جرعة الجنس المفرطة فى أعماله قاعدة للهجوم عليه بل و تكفيره. هل تدهشون إذا قلت لكم أن أكثر مؤلفاته التى شعرت فيها بهذا التأثر الإيمانى هى أولاد حارتنا التى أقامت الدنيا و أقعدتها حتى كاد يقتل بسببها عام 1995؟ إن من يكمل الرواية لنهايتها سيكتشف مدى إدانتها لإنسان العصر الحديث الذى جرفه الزهو بعقله و علمه و إكتشافاته بعيداً عن الإله الذى منحه كل ذلك كرماً منه ونعمة...!!! و للأسف فإن عبقرية نجيب محفوظ الأدبية - التى لم ننصفها نحن كالعادة إلا بعد إعتراف الغرب بها بمنحه جائزة نوبل عام 1988 - قد طغت فى الأذهان على موهبته الأخرى التى لا تقل فى غزارتها عن ملكاته كروائى عظيم , و أعنى بالطبع موهبة الكتابة السينمائية . لا يمكن أن نتحدث عن العصر الذهبى للسينما المصرية دون أن نذكر أفلاماً مثل ريا و سكينة - جعلونى مجرماً - الفتوة - أنا حرة (عن رواية لابن جيله إحسان عبد القدوس فى الحقيقة أعجبتنى أكثر من السيناريو الذى شعرت أن نهايته مفتعلة للغاية) - إمبراطورية ميم - بئر الحرمان - الناصر صلاح الدين - إحنا التلامذة - درب المهابيل - شباب امرأة - جميلة بوحريد ,و اللافت للنظر أن أغلب الأفلام المذكورة من إخراج الراحل صلاح أبو سيف و كذلك نسبة كبيرة من رواياته التى تحولت لأفلام مثل القاهرة 30 - اللص و الكلاب - بداية و نهاية . أندهش حقاً لعدم حصول هذا "الدويتو" العبقرى على حقه من الإهتمام و التدقيق برغم كل الكتب و الدراسات التى قدمت عن مسيرة المبدعين الكبيرين ...!!! عندما كنت فى الصف الأول الإعدادى كتبت خطاباً قصيراً للأديب العملاق على عنوان مسكنه الشهير بالعجوزة أهنئه بعيد ميلاده الرابع و الثمانين . لا أعلم إلى اليوم إذا كان خطابى العفوى الصغير هذا قد وصل و ألقى فى سلة المهملات أم أنه لم يصل من الأساس , لكن ما أثق به هو أنه فى مكانه الحالى يستطيع أن يسمعنى جيداً عندما أقول : كل سنة و انت طيب يا عمو نجيب يا رائع ...!!! " التدوينة هى هى على مدونتى الرئيسية : بره الشبابيك " http://reeeshkalam.blogspot.com/2010/12/blog-post_777.html