حرامى حبل غسيل

لفت نظرى خبر نشرته «المصرى اليوم» أمس عن مهاجر مصرى يعمل وكيلاً لوزارة الصحة فى إيطاليا. فى خانة الوظيفة فى جواز سفر المواطن فايق خليل ويصا كلمة واضحة: طبيب. ورغم ذلك اشترطوا عليه حين أراد استخراج بطاقة الرقم القومى إمدادهم بما يثبت أنه عضو فى نقابة الأطباء المصريين.
ولأن عضوية النقابات مسألة اختيار شخصى، ولأنه يعيش ويعمل فى الخارج، فلم يعد باقياً أمامه سوى أحد طريقين: إما أن يقبل بأن تكون وظيفته فى البطاقة «بلا عمل» أو أن يرفع سماعة التليفون إلى أحدهم. «والله باتكسف أقول للإيطاليين الكلام ده»، يقول الرجل، «لى معارف كثيرون يمكن أن يحلوا لى الأزمة، لكن لماذا لا أستطيع أن أنهى الإجراءات بنفسى؟ ولماذا ألجأ إلى واسطة للحصول على حقى الطبيعى؟».
وقبل أن تقفز إلى أذهان البعض شكوك مبنية على ما يوحى به اسم هذا المواطن من انتماء دينى، أستطيع أن أؤكد من واقع عملى التطوعى أميناً للجنة الإعلام فى «اتحاد المصريين فى أوروبا» أن السلطات المصرية حين يتعلق الأمر بمثل هذه الأمور تتسم بموفور «العدالة» وتطبق الغباء الإدارى علينا جميعاً بالقسطاس وتجعل خلق الله بمختلف جنسياتهم يضحكون على أحوالنا بنفس الدرجة (درجة مرتفع جداً مع احتمال الموت من الضحك).
أقول هذا وقد أصابنى، مثلما أصاب الدكتور فايق ومعظم المهاجرين المصريين الحريصين على ارتباطهم ببلدهم، ما يمكن تسميته Common Sense Virus أو فيروس التفكير المنطقى، وهو نوع من الفيروسات مفيد جداً فى بلاد الغرب ضار بالصحة إلى أبعد حد فى مصر ويؤدى فى معظم الأحيان إلى نزلات معوية ربما تتطور فى بعض الحالات إلى إسقربوط أو إلى ما يشبه تأثير لدغة ذبابة «تسى تسى» الاستوائية.
تملكتنى فرحة بلهاء على متن الطائرة التى عادت بى من لندن إلى القاهرة قبل نحو ثلاث سنوات ولم أفكر على الإطلاق وأنا أدخل بلادى – طبعاً وبكل تأكيد – بجواز السفر المصرى لا جواز السفر البريطانى. انتفض صديقى العزيز، حافظ المرازى، عندما علم بذلك ثم اضيقت عيناه وعلا حاجباه وهو يقول: «لو شنطتك اتأخرت وكنت داخل بالبريطانى هتوصلك على البيت مع اعتذار محترم، أما لو كنت داخل بالمصرى فهيطلع (...) فى قرية البضائع يا محترم».
على مضض، وبعد رحلتين أخريين أو ثلاث، جمدت قلبى على مصر وسافرت بالبريطانى، وعند عودتى استوقفنى ضابط الجوازات (باحترام، لا بد أن أقول). إيه المشكلة؟.. «لا، أبداً، مجرد تشابه أسماء». مع مين؟ يعنى فيه كام واحد على اسمى الرباعى ده ومولود فى القرية دى ووظيفته دى وتاريخ ميلاده ده ومعاه جواز سفر بريطانى؟ همس لى أمين شرطة: «الظاهر فيه واحد اسمه على اسم حضرتك سارق حبل غسيل».
من يومها وأنا أسافر على الأقل مرة كل شهر، وفى كل مرة يحدث الشىء نفسه وأقف «على جنب» فى طابور طويل من «أمثالى» مستدراً رغم أنفى نظرات التعاطف ممن يتعرفون على وجهى فيستغربون. بعد خمس دقائق يأتى الفرج، ودائماً ما يأتى الفرج. وكل مرة أقول للضابط: «ممكن بقى تحط علامة قدام اسمى عشان المرة الجاية ما يحصلش ده؟». قال لى أحدهم ناصحاً: «شوف يا دكتور، قدامك حل من ثلاثة: يا تكلم رئيس الجمهورية، يا تغير اسمك، يا مترجعش مصر تانى».
ولأن الخيارين الأخيرين خارج حساباتى، فإننى أهيب بمن يعرف رقم تليفون رئيس الجمهورية أن يتصل بى على عنوان البريد الإلكترونى المذكور أدناه وثوابه عند الله.
استقيموا يرحمكم الله.
yosri@yosrifouda.com