حسن ساتى.. عثمان عبدالله.. على فضل.. عثمان عابدين.. عثمان آدم.. أحمد رمضان..محمد خليل كاره.. سودانيون عرفتهم فى سنوات الغربة.. غيض من فيض أسمر جميل.. الثغر باسم، والقلب أنصع من «البفتة البيضا».. يحبون مصر، ويعشقون ناسها وأهلها.. يمر حسن ساتى، أستاذ الصحافة السودانية الراحل، من أمامى، وكأنه طائر محلّق بلا أجنحة.. يرمقنى من تحت نظارته السميكة «كيفك يا باشا».. فأرد «بخير يازول».. هو يحب كلمة «زول».. لذا يجلس ليحكى ذكرياته فى مصر حين أقام بين ضلوعها عدة سنوات.. ثم يفيض حنينه قائلاً: «ياه.. وحشنى كباب الرفاعى وقعدة الحسين.. والنبى السلام أمانة يا باشا».. ثم يحلّق من جديد، فتشعر بأنه يريد أن يطير إلى مطار القاهرة..! فى جدة.. كنا نعيش.. وفى بيوت مصرية سودانية.. أو سودانية مصرية، كنا ندرك كل يوم أن شيئاً ما لا يعرفه أحد منا يربط بيننا.. عثمان عبدالله يراه «مية النيل»، فيضحك ببراءة قائلاً: «لما بنشرب فى السودان من النيل بنقول للمية اطلعى فوق للحبايب».. أما عثمان عابدين، صاحب أنقى وأشهر ضحكة فى جريدة «المدينةالمنورة» اليومية، فيرى أن السر فى الجغرافيا كلها، وليس فى نهر النيل وحده.. أسمعه وهو يقول هذه العبارة: «لما مصر تبكى الدموع تنزل على خد السودان.. ولما السودان يضحك يقهقه المصريون»! محمد كاره.. يهوى أن يداعبنى دائماً، فيسألنى ضاحكاً «إنته منين فى مصر يا باشا؟!» فأرد «من الشرقية».. فيقول «يعنى شين كاف عين»، فأغضب، وأبادره «شرقاوى كريم عظيم».. فيضحك قائلاً: «يبقى إحنا كلنا فى السودان شراقوه».. عثمان آدم لا يتكلم كثيراً.. ولكنه يرى أن نهر النيل جعل دماء الشعبين واحداً.. يقول بهدوئه المعروف، وهو غارق فى أخبار الوكالات العالمية «اسمع يابو الأمجاد.. مصر تسكن قلبى.. وتحديداً فى غرفة مجاورة للسودان.. لكن يازول نفسى أرضنا الخصبة نزرعها مع بعض».. ثم يصمت قليلاً ويضيف «.. إيه رأيك ما تيجى تاخد عندنا كام فدان وتزرعهم.. سيبك ياراجل من الصحافة ومتاعبها»! أتذكر أجمل أيام حياتى، فأعرف لماذا اختارت مصر أن تلعب المباراة الفاصلة مع الجزائر فى السودان.. أرادها المسؤولون فى استاد القاهرة.. تماماً مثل المباراة الأولى، ولكن الدخول هذه المرة سيكون من الباب الجنوبى للاستاد، من المريخ بأم درمان.. فلا تقلقوا على أبنائنا لاعبين ومشجعين فهم فى بلد لا يعرف الكراهية.. سيلعبون ويشجعون بين قلوب نقية وصافية.. شعب طيب ومتحضر، وأرض تتكلم نفس اللهجة.. لهجة النيل الذى اعتاد إصلاح ما تفسده السياسة أحياناً..! لا أحد فى السودان يريدها معركة.. فلا ينبغى أن يجعلها الجزائريون حرباً على أرض محايدة.. لنلعب كرة جميلة تسعد الجميع.. وليكسب الأفضل، أو حتى الأكثر توفيقاً.. فلا أقسى من الهبوط إلى «وحل» التعصب والعنف والكراهية.. أدعو الأشقاء الجزائريين إلى الاستفادة من وجودهم فى السودان، ليشربوا من نهر يغرس السكينة والتحضر فى القلوب.. فحين حلوا ضيوفاً علينا منذ أيام قليلة حملناهم فى «عيوننا»، ولم يلحق بهم ما لحق بأبنائنا فى بلادهم! أعرف أن السودانيين سوف يفعلون المستحيل لحماية لاعبينا وجمهورنا من سيل التهديد والوعيد الجزائرى.. ولكننى أحلم بأن يتخلى الجزائريون عن هذا التعصب العنيف..! [email protected]