بابتسامته البريئة، وسنوات عمره التى زادت على بضعة وستين عاماُ، ظهرت تفاصيلها بوضوح على ملامح وجهه وقسماته، فطبعت عليه خطوطاً وشقوقاً تشير إلى معاناة يومية، لكنها مغلفة بسعادة، جلس حسن محمد، ذو الواحد والستين خريفاً، أمام أحد تجار المواشى فى سوق الرحمة، بمنطقة كرموز، ممسكاً بمقص حديدى، مرتدياً سروالاً أبيض، وسترة زرقاء وعمامة بنية. «صنعة لها فنها».. بهذه الكلمات بدأ عم حسن، أحد أقدم حلاقى المواشى فى «الثغر»، الحديث عن مهنته التى تزدهر قبل عيد الأضحى بأسابيع قليلة، يجوب خلالها أسواق المواشى، ويتفق مع أصحابها على حلاقة رؤوس الماشية، مقابل 6 جنيهات للخروف الواحد، تزيد أو تقل وفق الاتفاق وعدد الخراف التى سيتم حلاقتها. وقال حسن: «بعض الخراف جلدها طرى وبيبان لما أحط إيدى عليها، ولازم أكون حذر وانا بتعامل معاها، لأن الحيوان بيحس ويتألم، وده الفن والصنعة هنا، انك تقص شعره من غير ما تجرحه ولا تؤذيه، لأنه لو اتأذى أو اتجرح مش حيهدأ فى إيدك، ولا حتعرف تخلص قص شعره، ولا فى 5 ساعات». وأضاف: «زمان كانت المهنة رائجة ومنتشرة، لأن تجارة الصوف كانت مربحة وتجلب أموالاً كبيرة، وعاصرت وقت ما كان كيلو الصوف بثلاثة جنيهات، أما الآن فأصبح ب40 قرش فقط». يصمت قليلاً، محاولاً استكمال قص شعر أحد الخراف التى وضع قدمه اليسرى على قدميها وأمسك المقص باليد الأخرى، ثم استكمل: «منها لله شركات البلاستيك والألياف الصناعية، قضت على سوق الصوف وصناعته، وأى بنطلون دلوقتى مصنوع من الألياف أو البلاستيك تقرب منه سيجارة يتحرق». وعن مهنته، يقول إنه مستمر فيها منذ 40 عاماً: «ورايا 3 عيال فى الجامعة، ولا عندى أرض أو زرع أو غنم، وشايل مسؤوليتهم، ونصحونى اكتر من مرة انى اقعد فى البيت، بسبب إصابة القلب التى اعانى منها لكن ربنا حيسألنى عنهم وعن أكلهم.. دى مسؤولية». وأضاف: لم أشعر يوما ما بملل من هذه المهنة، لأنها بتأكلنى عيش وفاتحة بيتى، رغم انى بشوف فى نظرات الناس استهزاء بالمهنة، لكنهم فى نفس الوقت لما ييجوا يشتروا خروف العيد بيطلبوا يحلقوا شعره، علشان الحشرات ويكون شكله نضيف». وتابع: سعر حلاقة رأس الخروف تتوقف على حجمه وكثافة شعره، وتبدأ من 4 ولا تزيد على 6 جنيهات.. لكن خلى بالك إحنا أسعارنا رخيصة شويه، بس الخروف بيخرج من تحت إيدى مش ناقصه إلا نعجة حلوة ويمشى بيها على الكورنيش».