المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : مابين 23 يوليو52 و 30 يونيو 2013 تاريخ ورجال ومواقف!?    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: «التأمين الصحى» تبحث تطبيق المنظومة.. و40 طريقة صوفية تحيي الليلة الختامية ل«المرسى أبوالعباس»    النيابة العامة تواصل التفتيش على مؤسسات رعاية الأطفال والمسنين    إيران تفتح باب التفاوض النووي بشروط صارمة وتلوح بمواجهة مفتوحة    وداعًا هالك هوجان.. 5 أفلام حولت المصارع الأسطوري لنجم هوليود    إصابة 9 أشخاص في تصادم سيارتين ملاكي وميكروباص على الطريق الدائري بالقليوبية    «خطافة رجالة».. غفران تكشف كواليس مشاركتها في مسلسل فات الميعاد    الشيخ خالد الجندي: «ادخل العبادة بقلب خالٍ من المشاغل الدنيوية»    إجراء جديد من «الصحة» لتحسين أوضاع الأطباء (تفاصيل)    احتفالًا بالعيد القومي ال73.. إقبال جماهيري كثيف على المواقع الأثرية بالإسكندرية بعد فتحها مجانًا    وزير الخارجية يتوجه إلى السنغال في المحطة الخامسة والأخيرة من جولته في غرب إفريقيا    شعبة الدواجن تتوقع ارتفاع الأسعار بسبب تخارج صغار المنتجين    نيوكاسل يضم موهبة كورية    كيف تحصل على تذاكر صيف الأوبرا 2025 باستاد الإسكندرية؟    صائد الجوائز.. الدكتور صبحي السيد يتحدث عن مسيرة إبداعية حافلة في المهرجان القومي للمسرح    خبر في الجول - الزمالك ينتظر قرار فيريرا لضم مدافع حسنية أغادير    إبراهيم عادل: أبو تريكة قدوتي.. وهدفي في باراجواي اللحظة الأسعد بمسيرتي    جامعة الإسكندرية تبحث التعاون مع التأمين الصحي الشامل لتقديم خدمات طبية متكاملة    تحرير 93 مخالفة تموينية بالمنيا    قرار رادع .. لسكة الحديد تنهى خدمة مشرف قطار بسبب تأخير الركاب نصف ساعة بمحطة تلا    وزير الخارجية يناقش سبل تعزيز العلاقات الثنائية مع وزير خارجية مالى فى باماكو    إعلام فلسطيني: 89 شهيدًا و453 مصابا بنيران جيش الاحتلال خلال 24 ساعة    "الشعب الجمهوري" يشيد بجهود مصر في دعم غزة وإدخال المساعدات الإنسانية    رسميا.. الأهلي يعير كباكا إلى زد لمدة موسم واحد    وزير الإسكان ومحافظ الدقهلية يفتتحان مركز خدمة عملاء شركة المياه في نبروه    ضبط سائق يقوم بحركات استعراضية خطرة خلال حفل زفاف بالإسكندرية    غسلوا 75 مليون جنيه من تجارة المخدرات.. الداخلية تضبط 3 متهمين    الصحة تشارك في المؤتمر الدولي السابع عشر لمناظير المخ والعمود الفقري    المشاط تدعو الشركات السويسرية للاستفادة من آلية ضمانات الاستثمار الأوروبية لزيادة استثماراتها في مصر    اليوم.. عروض لفرق الشرقية والموسيقى العربية بالعلمين ضمن صيف بلدنا    إقبال جماهيري على فعاليات "المواطنة" بالمنيا.. "الثقافة" تُضيء القرى برسائل الوعي والانتماء    بسبب السرعة الزائدة.. مصرع عامل ديلفري إثر انقلاب دراجته النارية بالتجمع الخامس    "التجويع كسلاح ".. تقرير جديد لمؤسسة ماعت يرصد الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة    ماكرون وزوجته يرفعان دعوى تشهير ضد المؤثرة الأمريكية كانديس أوينز    محافظ أسوان يشيد بالسيدة فاطمة قاهرة الأمية ويقرر تكريمها تقديرا لإصرارها: نموذج للإرادة والعزيمة    قبل 150 يومًا من انطلاق "كان 2025".. الفراعنة ملوك الأرقام القياسية    الشباب والرياضة تتلقى الاستقالة المسببة من نائب رئيس وأمين صندوق اتحاد تنس الطاولة    50 عامًا على عرض «الفك المفترس».. احتفالات ضخمة بأنجح الأفلام في تاريخ السينما    لطلاب الثانوية العامة والأزهرية.. شروط قبول بالأكاديمية العسكرية المصرية (إنفوجراف)    عمرو الورداني: نحن لا نسابق أحدًا في الحياة ونسير في طريق الله    المجلس الأعلى للإعلام يوافق على 21 ترخيصًا جديدًا لمواقع إلكترونية    بدء التشغيل الكلي لمجمع المواقف الجديد في بني سويف    عروض فنية وفلكلورية في استقبال الباخرة السياحية «AROYA» بميناء الإسكندرية    بقيمة 227 مليون جنيه.. «صحة المنوفية» تكشف حصاد العلاج على نفقة الدولة خلال 6 أشهر    نتيجة الثانوية الأزهرية بمحافظة كفر الشيخ.. رابط مباشر    انفجار لغم يشعل صراعا بين كمبوديا وتايلاند.. اشتباكات حدودية وغارات جوية    شهدت التحول من الوثنية إلى المسيحية.. الكشف عن بقايا المدينة السكنية الرئيسية بالخارجة    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    تحليل رقمي.. كيف زاد عدد متابعي وسام أبو علي مليونا رغم حملة إلغاء متابعته؟    أمين الفتوى: لا يجوز التصرف في اللقطة المحرّمة.. وتسليمها للجهات المختصة واجب شرعي    علي جمعة يوضح معنى قوله تعالى {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}    وزير الري يتابع جاهزية المنظومة المائية خلال موسم أقصى الاحتياجات    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    بنسخ خارجية لمختلف المواد.. ضبط مكتبة بدون ترخيص في الظاهر    معسكر كشفي ناجح لطلاب "الإسماعيلية الأهلية" بجامعة قناة السويس    رسميًا بعد القفزة الجديدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 24 يوليو 2025    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يتحول التراب إلى ذهب.. من المستفيد؟
نشر في المصري اليوم يوم 30 - 10 - 2010

كنت أضحك كثيرا وأنا أسمع جدتى تحكى لى حكاية الرجل، الذى نجح فى أن يجعل التراب ذهبا، ويتحول فى لمح البصر من شخص فقير معدوم إلى ثرى على درجة أمير وزوج للأميرة ابنة السلطان، وكنت أضحك أكثر عندما تسألنى جدتى فى كل مرة بعد نهاية الحكاية: «إيه يا واد، إيه رأيك فى الحدوتة؟ حلوة ولا ملتوتة؟» وكنت أجيبها: «هى الاثنان يا جدتى حلوة، لأنها مسلية جدا، وملتوتة، لأن الأمل فى الوهم غير موجود إلا فى حكاياتكم أنتم، أما فى واقعنا نحن،
فالتراب تراب، والذهب ذهب، ثم إن زمن المعجزات قد ولى وانتهى» إلا أنها كانت تقاطعنى قائلة: «لكن معجزات زمنكم لا تزال باقية» فأعود لأسألها: «إلى حد تحويل التراب إلى ذهب؟» فتجيب: «نعم، ففى زمنكم المقلوب تتحول الخرافات إلى حقائق، وأبطال الوهم، أبطال فى الواقع» ومرت الأيام ورحلت جدتى عنى إلى عالمها الآخر، وبقيت عباراتها شاهدة على نفاذ بصيرتها وعمق رؤيتها للأمور،
وشاهدت أنا بأم رأسى أناساً استطاعوا فعلا وضع يدهم فى التراب وتحويله إلى ذهب، ليبلغوا من الثراء ما يفوق الأمراء فى حكايات جدتى وما يعجز عن تصوره أمثالى فى الواقع، ولم يصل هؤلاء لما بلغوه عن طريق تجارة السلاح أو المخدرات أو الدعارة، وإنما عن طريق باب آخر لا يقل عن تلك التجارات بشاعة وحرمانية وإن فاقها فى الأرباح غير المشروعة،
هذا الباب هو: التجارة فى أراضى الدولة والذى فتح على مصراعيه أمام من أحبوا أنفسهم وكرهوا مصر وعرفوا من أين تؤكل، وكيف تمتلئ كروشهم، دفعوا جنيها فى المتر ليحصدوه فى سنة واحدة أو أقل ألف جنيه، وانتقلوا من مجرد هلافيت وصعاليك ليتربعوا فوق قمة الأثرياء كمليونيرات ثم مليارديرات، عن طريق معلومات كانوا يزودون بها قبل شرائهم أو وضعهم اليد على هذه الأرض أو تلك.
بدأت هذه التجارة البشعة منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضى، من خلال شركات نجحت فى وضع يدها على عدد من الأراضى المستباحة بمعاونة بعض الموظفين ممن يعرفون متى يغضون الطرف، ثم قامت بتسقيعها ثم تقسيمها وبيعها للناس محققة أرباحاً تجاوزت مئات الملايين فى فترة لا تزيد على سبع سنوات، واشتدت الأزمة فى الفترة من 1993 إلى 2005،
ويتم توزيع مئات الآلاف من الأفدنة بطرق تبدو فى الظاهر مشروعة، على أصحاب الفخامة والعزة بلا مقابل تقريبا، ليقوم هؤلاء بتحويلها إلى منتجعات خلابة يباع فيها سعر المتر الواحد بحوالى سبعة آلاف جنيه، وفى السنوات الأخيرة، بلغت التعديات على أراضى الدولة خاصة فى الطرق الصحراوية حوالى مليون و430 ألف فدان، حسب تقارير أعدتها وزارة الزراعة، منها: مليون ومائة ألف فدان فى الأراضى الصحراوية بالصعيد، ومائتا ألف فدان على الطريق الصحراوى مصر إسكندرية وسبعون ألف فدان على طريق مصر السويس وستون ألف فدان على طريق مصر الإسماعيلية، ناهيك عما أخذ فى النور ليدار فى الظلام، خاصة على الطريق الصحراوى مصر إسكندرية، ذلك الكنز الذى يتسابق عليه أباطرة رجال الأعمال،
فى غيبة شبه كاملة لوزارة الزراعة والهيئة العامة لمشروعات التنمية الزراعية، وقد اعترف اللواء «عمر الشوادفى» رئيس جهاز استخدامات أراضى الدولة فى حوار أجرته معه جريدة «المصرى اليوم» بتاريخ 31 يوليو 2010، بأن بعض أصحاب هذه المنتجعات ضحكوا على الدولة، وتجاوزوا إلى حد يصعب قبوله، كما أكد اللواء «محمود عبدالبر»، الرئيس السابق للهيئة العامة لمشروعات التنمية الزراعية أن ظاهرة الاستيلاء على جميع أراضى الدولة متفشية وأن من يمارسون هذه التجاوزات يصعب ردعهم وإقصاؤهم عما اغتصبوه، لأنهم قد أصبحوا أقوى من كل قرارات الإقصاء،
وأمام كل هذا العبث من أشكال التعدى يتدخل «الرئيس مبارك»، مطالباً بوضع قواعد شفافة فى إدارة وبيع أراضى الدولة، التى لا أظن أنه قد تبقى منها الكثير، لكن الغريب أن يستشعر الجميع كل هذا الخطر ثم يخرج علينا وزير الزراعة المهندس أمين أباظة بتصريح عجيب، يرفض فيه سيادته ما وصفه بمبالغات البعض فى تصوير مخالفات أراضى الاستصلاح الزراعى على طريق مصر إسكندرية الصحراوى، حيث قال أمام لجنة الإسكان بمجلس الشورى يوم الأحد الماضى: «إن ما وقع من تجاوزات بتحويل بعض هذه الأراضى إلى منتجعات وقصور، لم يتجاوز ثلاثين ألف فدان فقط، من إجمالى مليون ونصف المليون فدان على جانبى الطريق، إلا أن البعض يفضل التركيز على السلبيات ويتجاهل الإيجابيات»
ولا أعرف بالضبط، أين هى الإيجابيات إذا كان الوزير يرى أن التعدى على ثلاثين ألف فدان لا يمثل كارثة تستوجب التهويل والفزع؟ أين هى الإيجابيات طالما أن سيادته مطمئن إلى أن التجاوزات لم تخرج بعد عن حدها المسموح؟
ونسى أنه لا توجد درجات فى مخالفة القانون، وأنه لا فرق بين من كان يسرق الغسيل أو البيض من عشش الفراخ، وبين ومن يسرق البنوك، لا فرق بين من يستولى على متر واحد من أراضى الدولة ومن يسرق آلاف الأفدنة، أين الإيجابيات إذا كانت الأرض الصحراوية المخصصة للزراعة تذبح عيانا بيانا ويعلن عن تقطيعها وتقسيمها إلى أراضى بناء عن طريق جميع وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية؟
فرق كبير بين الاستثمار والاستعمار، فرق كبير بين أن نزرع لنحصد وأن يبنى غيرنا لنموت من الجوع، مصر ليست لمافيا الأراضى، والمصريون ليسوا خدما فى عزبهم، ولا بد من قرار محترم لا يحفظ ما تبقى من الأرض الصحراوية فقط، وإنما يستعيد ما نهب منها بالباطل، إن جدتى لم تكذب عندما قالت لى إن من معجزات زمننا هذا أناسا يستطيعون تحويل التراب إلى ذهب، لكننى واثق بأنه عندما سيعتدل الميزان وتعود المياه لمجاريها ويأخذ كل ذى حق حقه، وقتها فقط سيكون التراب تراباً والذهب ذهباً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.